رامز رباح |
الست شعوانة (ر)
رامز رباح - 19\05\2019
بسم الله الرحمن الرحيم
طرقات منحدرة مُعبّدة، وبيوت جميلة مرتبة، أصحابها كرماء طيبون، وأهلها شرفاء
صامدون، لا يعرفون إلا المحبة والتألف والإخاء، والرأفة والكرامة والسخاء. نفوسهم
متواضعة ترابية، وبصائرهم نيرة روحانية، ومواقفهم مشرفة شامخة أبية .
أشجار متنوعة كثيرة، ومياه باردة وفيرة، ومناظرُ ساحرة خلابة جميله، مُطّلة على
منطقة بانياس وسهل الحولة وجبال الجليل وقسم من جنوبي لبنان. مجاورة لقلعة النمرود
ومنطقتها المذهلة بجمالها والمحّرشة بأشجار الزيتون الروماني والبطم والغار
والسنديان، وفيها ينابيع كثيرة أهمها الشلالة وعين الحمام وعين الريحان. يسير
بمحاذاتها نهر سعار بشلالاته الرقيقة، وطيور وعصافير مغردة أنيقة، وروائح مميزة
طيبة عجيبة، كأنك موجود بمنطقة جبال الشوف في لبنان.
بدأت أبحث لعلي أكتشف سر هذا التوفيق في هذه البلدة الوديعة، والقرية المميزة
الفريدة، العربية السورية الأصيلة. حتى وصلت إلى مكانٍ تخشع فيه القلوب، وتدمع عنده
العيون، وتهتز له الأركان والشجون، وتنحني له الهامات إجلالا وتؤمه الرجال والنساء
إكراماً وكرامة لمن بداخله مدفون، ولِما يحتويه من الجوهر والدر المكنون. كيف لا
وهو مدفن الست شعوانه (ر) ابنة الملك الحزوري (ر) الذي زهد في الدنيا وترك المُلك
وقرر الالتحاق بالسبعة العُبّاد الذين ذاع صيتهم في ذلك الزمن بالزهد والعبادة
فقالت له ابنته الوحيدة:" خذني معك يا أبتِ ولا تتركني وحيدة، فيتصدع قلبي على
فراقك، ويتقطع كبدي حزناً عليك، فيكون إثمي عليك أكثر من الثواب الذي ترجوه من ربك"
فتنكرت بلباس الرجال، ورافقت والدها حتى تفوقت بعبادتها على العُبَّاد السبعة الذين
عاشوا في هذه المنطقة قبل ألاف السنين، وما زال ذكرهم الطيب وسيبقى إلى يوم العرض
والدين، وتميزت بقوة تعلقها وصدق معاملتها مع رب العالمين، وصبرها الشديد على تهمة
الزور التي نُسبت اليها ولسان حالها يقول: "يا ليت الذي بيني وبينك عامر، وبيني
وبين العالمين خراب" فأثمر لها كرامات كثيرة أطيب وأحلى وأزكى وأرقى من ثمر الصبار
المميز الذي ينبت بالقرب من منطقتها. والتي جاء في قصتها المؤثرة عن لسان الله
تبارك وتعالى: "فوعزتي وجلالي لو سألتني أن أزيل الجبال عن أماكنها لفعلت ذلك
إكراماً لها لأنها لم تشكُ ما نزل بها إلى أحد غيري" وهذا يدل على شدة إخلاصها وصدق
توحيدها وإيمانها وكتمانها للسر لوجه باريها حتى أصبحت مستجابة الدعاء. ومختصر
قصتها مكتوب في خمسة أبيات شعرية معلقة في مقامها الشريف، إلى جانب ضريحها الطاهر
الذي دفن به جسدها المبارك النحيف، وقد جاء فيه:
لقد ضم هذا القبر خير الأوانس |
|
فتاة رأت بالله خير مؤانس | |
ومن عُذبت قهرا وظاهر أمرها |
|
غلام يبيع الخوص بالزهد يكتسي | |
وظلماً فتاة اتهمته بمنكر |
|
فعاش كئيبا في الورى عيش بائس | |
وصيّته عند الوفاة لشيخه |
|
ألا قُد عند الصدر ثوبي وملبسي | |
فلما رأى أنثى أجاب مكبرا |
|
هنيئا لها نالت نعيم الفرادس |
إنها صاحبة العفاف والطهارة، والسيدة الفاضلة المباركة التي من أجلها، وتخليداً لذكرها يجتمع شيوخ بني معروف الأفاضل في الثلاثين من شهر أيار من كل سنة لزيارتها والتبرك بضريح حضرتها والاعتراف بكبر توحيدها ودرجتها، فتعم البركة والبهجة على كل أبناء الجولان، وتتبارك بقدومهم وتشريفهم النواحي والبلدان، ويجتمع أهالي عين قنيا شيوخاً وشباباً والبسمة على وجوههم والفرحة والغبطة في قلوبهم ليرحبوا بالضيوف الأكارم الأجلاء، وشيوخنا الأطهار الأتقياء الأنقياء، الذين قدموا من الكرمل والجليل والجولان، فلهم كل الفضل والكرامة والتبجيل والامتنان. وكان تاريخ أول زيارة لمقامها الشريف سنة 1987 بحضور الطاهر الفاضل المرحوم سيدنا الشيخ أبي يوسف أمين طريف، الذي وضع حجر الأساس لهذه الزيارة. وفي هذه السنة ستكون يوم السبت القادم في السادس والعشرين من الشهر. نفعنا الله ببركاتها، وزيارة مقبولة للجميع.