سرعة البديهة التدرب عليها وتعلمها
جولاني - 20\05\2012.
مهارة سرعة البديهة
سرعة البديهة: تعرف بأنها:
مظهر رئيسي من مظاهر ذكاء الفرد، وهي ميزة جوهرية من مزايا الشخصية الإنسانية
الجذابة أو الناجحة في الحياة الاجتماعية.
وعرفت لغويا: حاضر البديهة: سريع الرد عند المفاجأة .
وقالوا: البديهة هي الجواب الحاضر.
وهي ليست إجابة فورية فقط، بل هي إجابة دقيقة تنم عن حكمة فريدة نادرة
التدرب والتدريب على سرعة البديهة
إذا درب المرءُ نفسه فهذا هو التدريب، أما إذا دربه مدرب متخصص ضمن برنامج تدريبي
فهذا هو التدرب، إذاً حالة القارئ الآن هي التدريب ، أي يعتمد على نفسه في إتقان
مهارة أداء البديهة بسرعة ملحوظة.
وتتطلب سرعة البديهة: سرعة في التفكير، والربط بين الموقف وما يجب قوله، واختيار
البديهة المناسبة. وكل ذلك يتم في ثوان معدودات، وهو أمر يتوفر بالتمرين أو التدريب،
ويجد الفرد نفسه فيما بعد طالما كان جاداً في مسعاه، أنه تمكن من تحسين قدراته في
إطلاق البديهيات المناسبة دون عناء كبير في التفكير والتحليل والربط والاختيار.
ومن هذا يتبين بجلاء ووضوح بأن من يحوز على هذه المهارة يتصف بحسن التركيز العقلي
وشدة الانتباه وتناغم الأفكار كما يتصف بالقدرة على استرجاع المعلومة المخزونة
بسرعة بينما نقيضه يتصف بشرود الذهن وتشويش الأفكار كما يتصف بالبطء في الإجابة
الصحيحة أو ضعف القدرة على استرجاع المعلومات.
في ضوء هذا التحليل يتضح لنا جميعاً أن متطلبات البديهة هي:
1- الاستعداد العقلي: ويتمثل ذلك في الذاكرة أو التذكر.
2- الاستعداد اللغوي: ويتمثل ذلك في خزين من المعلومات التي أطلع عليها الفرد
واستوعبها وخزنها في عقله.
3- الاستعداد النفسي، ويتمثل ذلك في الثقة بالنفس والتصميم الصادق على حيازة هذه
المهارة وتنميتها باطراد.
الاستخدام الفعال للعقل
في ضوء هذا الإدراك المعرفي، يتبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه القدرة
متعلقة بعنصر الإدراك العقلي وخصوصاً الذكاء، فهي تتصل بالاستخدام الرشيد والفعال
للعقل، وجدير بالذكر، أن هذه المهارة تتفاوت كماً ونوعاً بتفاوت مستوى ذكاء الفرد،
فهناك أقوال تدل على بديهة تقليدية مستقرة، كالربط بين القول ومثل شعبي أو حكمة
اجتماعية سواء كانت نثراً أو شعراً.
بديهة العباقرة
وهناك أقوال من قبيل الذكاء الألمعي أو الخارق كالبديهيات التي تتضمن القياس، أو
السجع أو الطباق، وبعضها يجمع بين البلاغة اللفظية والتلاعب بالألفاظ. إن التفاوت
بين البديهات العادية والألمعية يكشف عن تفاوت بين درجات الذكاء العادي والمتوسط
والعالي والأخير هو ذكاء العباقرة أو النوابغ وهم الموهوبون عقلياً بدرجة كبيرة.
ومن الضروري بيان سرعة البديهة في التراث العربي.
ولا شك أن سرعة البديهة هي القدرة اللفظية لمواجهة مواقف الحياة والمجتمع ويتمثل
ذلك بالنطق بالجواب المناسب في الموقف المناسب في الوقت المناسب. فكيف يتعلم المرء
سرعة البديهة ؟
الموضوع يتعلق أساساً بالذكاء، فمن كان على درجة عالية منه يجد نفسه سريع البديهة
دون أن يفقه لماذا أصبح هكذا، ومن كان على ذكاء متوسط يجد أن قدراته في إطلاق
البديهيات متوسطة هي الأخرى، أما من كان معدوم الذكاء فإنه يكون محروماً من هذه
النعمة.
ينقسم التدرب على سرعة البديهة إلى قسمين رئيسيين: نظري وعملي، فيما يأتي بيان ذلك.
أولاً: التدرب النظري
إن تدرب سرعة البديهة نظرياً يتطلب توافر أمرين جوهريين هما: الرغبة الجادة،
والتعلم عن طريق القراءة الواعية.
1- توفير الرغبة الجادة: إن رغبة حقيقية لدى الفرد في تعلم سرعة البديهة هي الأساس
النظري الأول في هذا البنيان والرغبة كي تصبح خطوة أولى يتعين أن يعقبها التصميم
والإدارة والبدء في الخطوات التنفيذية.
2- التعلم عن طريق القراءة: التعلم وظيفة من وظائف الذكاء، وكلما كان الفرد ذكياً
كانت قدراته للتعلم أوسع وأعمق وأسرع، فالاستعداد العقلي: استعداد وراثي ، بيد أن
هذا الاستعداد يمكن تعميقه لدى الفرد وتنميته تنمية ملحوظة عن طريق الخبرات الجديدة
والتجارب الاجتماعية التي تتمخض عن نتائج موضوعية أو ذاتية. فالفرد يتعلم في كل يوم
معلومات جديدة، وهذا التعلم يوسع من قدراته العقلية ويعمق من تصوراته الفلسفية
وينمي من تأملاته الفكرية ويثري من اتجاهاته الاجتماعية. ولا شك أن التوعية في
التعلم هي ألف باء التعلم والتثقيف الذاتيين، غير أنها غير كافية إذا لم تقترن
بالتصميم على تنفيذ المشاريع الذاتية التي تنوي تحقيقها، فالرغبة القوية هي التي
تدفع المرء لبذل جهد حقيقي – عقلي أو عضلي أو معاً – لغرض ترجمة الأماني النظرية
إلى وقائع علمية فيبذل بعدئذ الفرد الراغب، نشاطاً عقلياً للإفادة من الخبرات
المحيطة به اجتماعياً.
إن التعليم يعني أولاً اللجوء إلى القراءة المتأنية الواعية، فيقرأ المتدرب أمهات
الكتب الفكرية والعلمية والأدبية التي تشكل تراث الإنسانية وعالم الثقافة العالمية
المعاصرة أو يقرأ بتعمق ما يتفق مع تخصصه العلمي والفني.
من مراحل التعلم
الأولى: الانتقاء
إن المعرفة التي يصطفيها الفرد تلائم ميوله النفسية والعقلية، وكل فرد يختار ما يجد
نفسه حراً فيه، فبعض طلبة الكليات العلمية المتخصصة يجد سعادة في قراءة الروايات
التاريخية أو الاجتماعية أو الغرامية أو البوليسية.
الثانية: الإدخار
يخزن الفرد المعلومات التي قرأها وتصبح لدية انطباعات عن خبراته وقدراته السابقة،
وما ينوي من قراءات جديدة لإثراء الخزين العلمي والمعرفي لديه.
الثالثة: الترابط
تترك هذه الانطباعات أثراً بالاهتمام المشترك وبضرورة الترابط بين هذا التراكم
المعرفي أو العلمي الذي يخزنه في ذهنه والعمل على اكتشاف التفصيلات المتعلقة بخصائص
الأشياء وطبيعة المواقف وردود الفعل والفرق بين الأشياء وتحديد المواقف المباشرة
وغير المباشرة.
3- الاستفادة من الحوارات الجادة : إن التمعن في الحوارات يكشف لدينا أن هناك ثلاثة
أنواع من الحوارات هي:
الأول: الحوار العادي الذي لا جديد فيه ولا فائدة منه، كمن يسأل طفلاً في رواية عن
عدد أيام الأسبوع أو من هو الإسكندر المقدوني مثلاً.
والثاني: الحوار الذي يعبر عن وجهة نظر خاصة، فهناك من يرى أن المرأة كائن رومانسي،
أو كائن قلق نفسياً، ومن يراها أنها لا تحفظ الأسرار أو لا تصون العهود أو لا تفي
بالوعود، وهي أفكار تجسد وجهة نظر فكرية خاصة بقائلها أو متبنيها أو المدافع عنها.
والثالث: الحوارات الذكية المفيدة لملكية البديهة مما تفضي للإسراع في إطلاقها
وتنميتها تنمية شاملة.
ثانياً: التدريب العملي
يقتضي التدريب العملي السليم مراعاة ثمان خطوات متداخلة هي التحلي بالتفاؤل والمرح،
وتوفير الظروف الشخصية والبيئية، ووجوب الحفظ السليم وتنشيط الذاكرة، والاستماع
عندما يتكلم الآخرون، وملاحظة النموذج الأدائي، والتفكير السليم عند التحدث، وأهمية
تنمية النضوج العقلي، والتمكن من استقطاب عناصر التفكير الإبداعي.
وفيما يأتي بيان ذلك بتفصيل مناسب.
- ضرورة التفاؤل والمرح: لا بد وأن يكون الإنسان الحصيف والمحنك متفائلاً، مستبشراً
بغد أفضل أو بوضع أحسن أو بحالة أكثر إشراقاً. وليس ذلك من قبيل التفاؤل الساذج
الخيالي وإنما استقراء أحداث التاريخ الإنساني يكشف بأنه بعد النكسات أو الخطوب أو
الركود يحدث النهوض والتقدم والنجاحات. ولعل الأثر النفسي والعقلي لشعور التفاؤل
كبيير للغاية إذ يمد الإنسان ذاته بطاقة روحية لا تنضب تدفعه مباشرة للعمل الإبداعي
وتحدي المستحيل، وكثير من الفاشلين أو المعوقين أو من تقرر لهم مصيراً مظلماً
اجتازوا أزماتهم وكانوا في طليعة الناجحين أو المبدعين أو المكتشفين أو المخترعين.
أما المرح فهو الآخر ضروري لتعلم سرعة البديهة لأنه يخلق مناخًاً مشحوناً بالسرور
والغبطة والارتياح. ومثل هذا النموذج الصحي يطلق القدرات العقلية للتعلم بسهولة
ويسر. صفوة القول في هذا الشأن أن المرح هو زاد العقل وغذاء الروح وإكسير الحياة
فهو يضاعف من متانة صحة الفرد ويجعل عقله متفتحاًُ نحو آفاق أرحب ومن ثم يمده بسبب
جوهري من أسباب سرعة البديهة وحضورها الدائم.
- ضرورة توفير الظروف النفسية والبيئية لهذه المهارة:
أ?- وجود الرغبة الصادقة والجادة لتعلم هذه المهارة.
ب?- وجود الضبط الذاتي( الصبر) للتعرف على مهارات الآخرين.
وتعلم هذه المهارات عن طريق
• تخصيص وقت كاف للتعلم.
• تخصيص سجل أو دفتر لرصد الحالات التي تعد من قبيل البديهة وذلك لتوثيقها والتأمل
والقياس عليها.
• الاطلاع الدقيق على أشعار وحكم وأمثال وكلمات معبرة تعبيراً سليماً على المواقف
الكبرى، والعمل على حفظها للاستعانة فيها فيما بعد.
• خلق الثقة في النفس عن طريق الإيمان الذاتي بوجود قدرات لم تستثمر وأن الآخرين
ليسوا أكثر كفاءة منه وكل من سار على الدرب وصل بالتصميم والإرادة والتكييف مع
الظروف المتغيرة.
- ضرورة الاستظهار والخزن: إن الاستظهار هو القراءة الواعية الهادفة إلى حفظ
المعلومات ومن ثم خزنها، وهذه الأمور متعلقة بالذاكرة.
إن برنامج تنشيط الذاكرة العقلية يتمثل في الآتي :
أ?- كتابة عبارات محمودة أو أشعار بليغة على الورقة ثم ترديدها بعدئذ عن ظهر قلب
ومن المهم الاستمرار في هذا التمرين العملي.
ب?- تذكر الأطعمة التي تناولتها في الأمس أو الأشخاص الذين قابلتهم.
ت?- تذكر ما جرى اليوم بدقة تفصيلية.
ث?- أطلب من شخص أن يضع في قائمة عشرين كلمة من الأسماء، وأقرأها بإمعان مرة واحدة
ثم ردد هذه الكلمات ولاحظ نفسك كم حفظت منها أول مرة ثم عد إليها واقرأها بإمعان
ثانية، ورددها ثانية عن ظهر قلب وهكذا دواليك. إن مثل هذا التمرين يقوي القدرة لديك
على القراءة المركزة ويسهل الحفظ التلقائي.
ويمكن أن تنجح عمليات الإستظهار والتذكر وفق الشروط الآتية:
أ?- الرغبة الصادقة والعزم الأكيد على التعلم واكتساب سرعة البديهة.
ب?- ضمان الشعور بأن هذا العمل ( التمرين) سيفيد في تحقيق هذه القدرة أو المهارة.
ت?- الانتباه التام لما يمكن الاستفادة من ثمرات يانعات أي استخراج النتائج
وتحليلها وتوظيفها للعمل القادم.
- ضرورة الإصغاء وملاحظة نماذج الأداء: الإصغاء يعني استثمار حاسة السمع، ومن ثم
يصبح لدى الفرد ذاكرة سمعية فيميز بين الألحان أو الأصوات سواء بالحوار المباشر أو
عند سماع الصوت في الهاتف ولعل الانتباه لحديث الآخرين وحواراتهم يجعلنا نرصد
العبارات المسبوكة والجمل الرصينة والكلمات المؤثرة والإجابة الملائمة للمواقف
والبديهة الفعالة والمعبرة عن جوهر الحالة أو الوضع أو الموقف ووقائعه تعبيراً
سليماً.
ومن الأهمية بمكان في هذا الشأن، الإصغاء لأقوال الذين عرفوا بسرعة البديهة من
الأصدقاء والمعارف الحاضرين.
ولا شك أن المحاكاة ضرورية لكي يبدأ الفرد بداية صحيحة في منهجها وسليمة في أهدافها.
ومن الضروري أن يستعين الفرد بدفتر أو سجل ملاحظات لكي يدون فيه هذه النماذج
المثمرة.
- ضرورة التفكير عند الرغبة للتحدث: يمكن تقسيم الكلام الذي نسمعه جميعاً إلى ثلاثة
أنواع ، وهي: الأول – كلام معاد مكرر: وهو الكلام الذي يجري بالطريقة التلقينية.
الثاني – الكلام الذي يربط حادثاً بحدث: ويتمثل بعملية التذكر. الثالث- الكلام الذي
يتمحور بالطريقة التصويرية والتأملية أو التحليلية. وفي ظل هذه الطريقة يكون ثمة (
تصور) و (تأمل) الكلام المعروض ( وتمثل) ما حدث في الماضي أو ما سيحدث مستقبلاً من
باب التنبؤ أو التوقع.
- ضرورة تنمية النضوج العقلي: ينمو الفرد جسمياً ونفسياً وعقلياً واجتماعياً.
وعملية تنمية النضوج العقلي والنفسي تعني التقدم في الفهم والتقدم في النمو العقلي
. وما أقصده بتنمية النضوج العقلي هو استمرار تعميق النضوج بحيث يمتلك الفرد مهارات
وقدرات واستعدادات للأنشطة العقلية أو الاجتماعية ذات المستوى العالي فهو يتصرف
تصرفات سديدة تدعو للإعجاب أو الغبطة فيكون حليماً في الوقت المناسب ويغضب في الوقت
الملائم ويعفو عند القدرة، ولا ينسى حقوق الآخرين. فإذا نضج الفرد لغوياً واجتماعياً،
كان التدرب أو المران ملائماً للنشاط العقلي المعروف لديه ضمن ثقافة الحياة
الاجتماعية السائدة. ولا شك أنه لا يمكن الاستغناء عن التدرب أو المران في أي مرحلة
من مراحل الخطة فلا يوجد شيء اسمه اكتفاء ذاتي للثقافة أو التعلم أو اكتفاء الحاجة
للتدرب أو المران وإلا أصبح فرداً يكرر ذاته ويجتر خبراته التي سرعان ما تتآكل. أما
استمرار التثقيف الذاتي أو التعلم الذاتي أو المران الذاتي وبالشعور بضرورة التدرب
أو المران فإن المرء يجد نفسه وينجز قدراته العقلية وينشط من استعداداته الذاتية،
الإبتكارية والاجتماعية.
- ضرورة استيعاب عناصر التفكير الإبداعي: يرى أكثر الباحثين أن الخصائص الأساسية
للتفكير الإبداعي هي: الأصالة. Originality) ، والطلاقة ( Fluency) ، والمرونة
(Flexibility) ، والحساسية للمشكلات ( Sensitivity to Problems) .
وفيما يلي نبذة وجيزة عنها:
أ?- الأصالة: تعد عنصراً أساسياً في التفكير الإبداعي، تقوم على إنتاج أفكار جديدة
أو طريقة جديدة، أي هي التميز في التفكير والندرة وقدرة على النفاذ إلى ما وراء
المباشر والمألوف من الأفكار.
ب?- الطلاقة: هي القدرة على إنتاج أفكار عديدة لفظية وأدائية لمسألة أو مشكلة ،
نهايتها حرة ومفتوحة، وتلعب الطلاقة دوراً مهماً في صور التفكير الإبداعي عند الشخص،
وتحدد هذه الطلاقة في حدود كمية مقيسة بعدد الاستجابات وسرعة صدورها، أي أن الطلاقة
هي قدرة الفرد على استدعاء المعلومات المخزونة لديه كلما احتاج إليها.
ت?- المرونة: وهي تغير الحالة الذهنية لدى شخص بتغير الموقف، أي هي القدرة على
التفكير بطرق مختلفة، ورؤية المشكلة من زوايا متعددة. وتتخذ المرونة مظهرين هما:
• المرونة التلقائية: أي إعطاء عدد من الأفكار المتنوعة التي ترتبط بموقف محدد.
• المرونة التكيفية: أي التوصل إلى حل مشكلة ما أو مواجهة أي موقف، في ضوء التغذية
الراجعة التي تأتي من ذلك الموقف . لذا فالمرونة تعتمد على الخصائص الكيفية
للاستجابة وتُقاس بتنوع هذه الاستجابة.
د- الحساسية للمشكلات: وهي قدرة الفرد على رؤية المشكلات في الأشياء والعادات، أو
النظم ورؤية جوانب النقص والعيب فيها، وتوقع ما يمكن أن يترتب على ممارستها.