لو كنتُ مكانك
مسعود الجولاني - 19\06\2012
هذا المساء تنتابني ومضة من الشجاعة,ويتملّكني هاجس أخلاقي.أريد أن أُبعد جانبا
شلوح الزنبق التي تحجب الرؤية,وأن أتبرّأ من سياسة استرضاء الملائكة والشياطين في
آن,وأن أخلع ثوب التجمّل,وأبدو على طبيعتي- بتلقائيتي وعُقدي وعشوائيّة نزواتي-
بعيدا عن الكلمات المزركشة والجمل المركّبة والمعاني العائمة. ما كان يُعدّ مجازفة
وضرب من الجنون,في حينه,قبل اكتشاف الطرقات والميادين,بات اليوم واقعا من لحم
ودم,في حضرة التاريخ الذي يُكتب.ها هو الواقع يعرّي رهط الآلهة التي لطالما تمّ
تمجيدها,لنزعة مازوخيّة, كي تتعاظم جبروتها ونوغل نحن في العبوديّة,فبعد أن حاصرتنا
حدّة نظراتها,وملأت عيوننا صورها,وقطعت رؤيانا شعوذاتها,وسرنا بأمرها وبشورها ووفق
تعاليمها,ها هي الآن بملامح الزعفران وبآخر رمق أوراق الخريف, تتشبّث بالغصن,وما
تبقّى من عمرها,يعادل انتظار أوّل رحلة لنسمة مُقبلة. آه لحرج الموقف,بل يا لبشاعته
وفظاعته,ربّما أشدّ المؤمنين بطيب نوايا تلك الآلهة,يتمنّى لها اليوم, أن تكون
عمياء صمّاء بكماء.
تعالي أيّتها الآلهة المخلوعة,تعالي لنتبادل الأدوار...أما آن الأوان أن تصغي لما
أقول؟!... لو كنت مكانك...لقضيت ما تبقّى من العمر في استجداء فتات الرحمة ورذاذ
الشفقة,وهيهات الغفران.
لو كنت مكانك... لسرت في الأزقّّة,مغمض العينين وحافي القدمين,أتمتم بعبارات من
صلاة الاستسقاء,أُجلد بنظرات رافضة كاوية وأتطهّر بدموع الأمهات.
لو كنت مكانك... لتواريت خلف سنديانة عتيقة,وتشاغلت بالبحث عن ظل ظليل,تطيب معه
غمرة العشيق..إن وجدته!.
لو كنت مكانك... لهاجت وماجت بحور الناظرَين,إلى أن يستوي في عينيّ,رهجة نور الصباح
وعتمة قهوة الليل.
لو كنت مكانك...لا لن أكون.. فرحمة السماء تنبعث من خفقة التحنان,وأنت فقدته,وبطُلت
صلاتك وفسدت,بعد أن انطفأت شموعك الى الأبد,ولا أظنّك تدركين رعشات الوجدان على
خطوط تماس الروح والجسد,عندما ترتمي نظراتي الجائعة على وجنتَي حبيبتي
الجميلة,فتسيل عشقا على منحنيات العاج والمرمر.
يا لمشاعر الأنفة والكبرياء التي تختلجني في هذه الأثناء,لا شكّ أن من كانت آلهتي
يوما,باتت تحسدني على هذا الموقع,ولعلّها تتمتم بشفتيها الذابلتين,قائلة...آه لو
كنت أنا مكانك!