تمرد
ريتا - اسم مستعار. الاسم الحقيقي محفوظ لدى موقع جولاني
06\08\2012
اتسأل دائمًا, كيف لي العيش بمنطق العادات والتقاليد, وقيود الأب والأخ الشرقي, وضمن تلك المفاهيمُ المتكلسةُ داخلَ عقولهم.. كتلك التّي تولي عليهم التحكمَ والأعتراض على كل ما يدور في حياتي, على جميع الأصعدةِ: العملية والإجتماعية, وحتى العاطفية منها. وكأنني وَلدت كي أعمل وأحب وأرافق من يرغب أبي وليس من أرغب انا.. فيجب عليّ أن أعمل في دائرة الأعمال المحصورة منها على الفتيات فقط.. وتلك التي كما يقول أبي دائمًا: "بدهاش واسطة", وكأنه لا يعلم أنّنا نعيش ونحيا في دولة لا تستطيع فيها أن تُقدم على أيّ شيءٍ إلّا إذا كان لكَ معارف لديهم يدًا في السُلطة. وعليَّ أيضًا ان أتعامل فقط مع أشخاص أو بالأحرى فتيات ضمن الدائرة الإخلاقية التّي يُصنف أبي حسبها الناس: تلك ترتدي ما يحلو لها من ملابس ولا تأبه بمقولته الشهيرة "جسم البنت بس لجوزها" وكأنها إذا ارتدت ما يناسب الموضة الحديثة وكشفت بعض أجزاء جسدها, فهي غير صالحة إجتماعيًا ولا يجوز لإبنته, والتّي هي أنا مُرافقتها.. وتلك تشرب الخمر, ولذلك هي مُنحطة إخلاقيًا, وتلكك أيضًا تسهر لساعاتٍ متأخرة, ومن يراكِ برفقتها سيتكلم عني, وعن تربيتي لكِ ولأخواتكِ.

ويستمر أبي بتصنيف جميع الأشخاص بهذا المنطق المتخلّف الذّي يتبعهُ, وكأنهُ وَحدهُ من يُربي تربيةً صالحةً من خلال القمع والترهيب, ويتجاهل.. وليس بتجاهلٍ فقط, إنّما دحض تام لفكر الإنسان, وكأنما علينا تقييم الأشخاص في مُحيطنا من خلال مظهرهم, تحديدًا طريقة لبسهم وأيضًا ماذا يعملون, وليس كيف يفكرون ويتحدثون, وكيفية تعاملهم مع الأخرين.
فبمنطق أبي هذا إلغاءٌ تام لما يُسمى حرية الرأي والتعبير والحرية الشخصية, وما يراه هو بمنطقه صحيح هو صحيح وغير قابل للنقاش, أما الخطأ فهو خطأٌ بحت.. وإيّاك ثمّ إيّاك أن تحاول تغيير رأيه أو مناقشة الموضوع معهُ.
فالمرأة.. مهما تعلّمت وكبرت وعملت, نهايتها تُلبي طلبات زوجها, وتعيش تحت إمرته, هو الآمر الناهي.
أما الزوج.. فعليه أن يعمل حتي يأتي بالمال كي يوفر المستلزمات الرئيسية لبيته ولأولاده. وبما أنه يعمل طوال النهار ليوفر لهم المال, فهذا يُعطيه سُلطة حقيقة على حياتهم، وهذه السُلطة تُخوُله تقرير مصيرهم, وكأنهم دُمى يشتريهم من الدكان القريب ويُحركهم كيفما يشاء.
وحتّى إذا فكرّت إحدى بناته بالأستقلال عنه ماديًا والعمل حتى تُعيل نفسها بنفسها, فهذا لا يُفقده السُلطة على مصير حياتها, فهو من أنجبها وبهذا له معروف كبير على انها حيةٌ تُرزق.

وفي ظلّ هذا القمع لشخصيتي المُستقلة, يعود ليسطع ويسيطر ذاك السؤال على عقلي:
كيف لي أن أعيش ضمن هذه الدوائر المتعددة لمنطق العادات والتقاليد والقيود المغلقة, وأنا التّي منذ سنين أُحاول صقل شخصيتي المستقلة والحرة, وأُحاول تحرير نفسي وأفكاري من قيود المجتمع الشرقي المضطهد لحقوق المرأة. أنا التّي تتكلّم دائمًا عن حرية الفرد وحرية المجتمع بأكمله, والتّي تسعى دائمًا لنصرة هذه القضية في جميع المجتمعات المظلومة والمقموعة في ظلّ الأنظمة العربية, التّي تحاول إضطهاد وترهيب شعوب بكاملها.
كيف لي أن أستسلم للنظام التعسفي الذّي يستعمله أبي في "تربيتي" على حد قوله, وكأن التربية الصالحة هي في خلق أشخاص يفكرون ويتصرفون مثله فقط. يعيشون ليصنعوا المال, وكأن هذه التربية تسمح له بإستعمال العنف إذا تمرّدت إحدى "بنات العيلة" وحاولت مناقشة أو تغيير مصيرها المفروض والمحتوم مُسبقًا..