كتب على صخرة في الجولان
عزت مداح - 26\09\2012
انه من الأوفياء للوطن انه ضابط في الجيش العربي السوري لهجته سورية، لا لا لم يكن
روسيا او صينياً، وقد كلفته القيادة بمهمة مع رفاقه لتصفية عدد كبير من المندسين
هناك في الجنوب السوري.
اختار أن يكون رفاقه في المهمة من كافة المحافظات بهدف ان شرف الدفاع عن الوطن حق
للجميع. خرجوا من معسكرهم كالأبطال متوجهين غرباً. انطلقوا بألياتهم وبعتادهم
مدججين بالسلاح في شوارع العاصمة. اطلوا رؤوسهم خارج عرباتهم ليودعوا من في الشارع
كما ودع أهالي دمشق أبطال عام 1982 عندما عبروا أمام المدينة الجامعية.
أذكر يومها أننا ودعناهم عند منتصف الليل بالزغاريد وفي الصباح بكيناهم جميعا عندما
عادوا محملين شهداءً لأجل لبنان وفلسطين, وها هي الشوارع الآن توحي بحالة حرب
ملصقات لم تراها سوريا منذ أكثر من أربعين عاما. أناس في عجلة من آمرهم يتراكضون
مبتعدين هاربين من عربات الجيش العربي السوري. تساءل أبطال المهمة فيما بينهم ما
الذي يحدث, فقط تساءلوا، وتابعوا طريقهم جنوبا. قطعوا مسافة تبعد عن دمشق ما يقارب
الخمسين كيلو مترا. رأوا في طريقهم لافتات كتب عليها UN. عرفوا أنهم اقتربوا من
الجولان المحتل. ولكن المهمة المكلفين بها الآن ليست تحرير الجولان, والمحتل كان
اسمه دائما محتل ولم يكن مرة اسمه مندس. حك الجندي العربي السوري تحت خوذته وقال في
ذاته: هل بدأت مهمة تحرير الجولان.. وضحك! وكلما اقترب اكثر كان صوت المدافع يتعالى
ودخان كثيف يتصاعد من القرى المحاذيه لخط وقف اطلاق النار.. وصراخ. طوى أصابع يده
اليسرى وضرب على خوذته ووقف منتصبا وقرر أن يعود بهؤلاء المندسين أحياء. وأسئلة
ممنوعة بدأت تجول في خاطره.. ترى من هم هؤلاء الذين قالوا له أنهم مندسين؟ من أين
أتوا فالحدود آمنه ونحن جيش الممانعة مسيطرون على الأمن! ترى هل لهم ذيل كالقرود هل
رؤوسهم كرجال الفضاء؟ يا الله من هم؟
خاطب الظابط جنوده قائلا: أيها الأبطال لقد اقتربنا من الهدف فلنضع عرباتنا هنا
ونزحف بين الأشجار حتى تتناقص المسافة بيننا وبين المندسين إلى بضعة أمتار كي ننال
منهم.. وكان له ما أراد.. بضعة أمتار بينه وبين المندسين.. أمتار مليئة بأشجار
تحاول أشعة الشمس اختراقها دون جدوى لكثافة أغصانها. أشجار اخترقت جذورها طبقات
الأرض منذ مئات السنين، زارتها كل الطيور المهاجرة، واندثرت عندها كل القوى
الغاصبة، والآن تجمع تحتها جيش نظامي ومندسين.. غابت الشمس وتمايلت الأغصان متغاوية
بحنين.
قالت الشجرة هنا جيش وهنا مندسين وكلاهم مولود من نفس الجنين.. إنهم جميعا سوريون.
قال مندس هنا استشهد جدي.. إنها القنيطرة. وقال جندي اني اشتم رائحة ابي واسمع صوت
أنينه.. نعم هنا استشهد أبي وقفز كالمجنون يصرخ أبي أبي وأخذت أودية الجولان تصرخ:
أبي أبي ابيييييييي.. صراخ جندي ثائر وصدى أودية وحزن ونازحون وألم دفين.. وطغى صوت
الصراخ على صوت القذائف.
صمت "الجندي" القائد العربي السوري. فكر.. قنيطرة؟ جولان؟ استشهد هنا؟ أبي أبي؟
اللغة عربية واللهجة حمصية.. اقرب الى الحموية.. انه لم يقل يا خاي فهو ليس حلبي..
تمايلت الأغصان وجنت أوراق الأشجار وتصاعد حفيفها وصرخ الجندي أيها المندس عد يا
أخي لقد ضللت الطريق.. فصغرت المسافة متناهية إلى الصفر وهمس الجندي بأذن الثائر
"المندس" من هنا الطريق إلى دمشق ومن هنا الى جباثا ومن هنا الى طرنجي حيث يقصف جيش
الأسد البيوت.
استنشق رائحة أبيه الحمصي. سكتت الأغصان وتهامسا. وجميعهم تعانقوا وتهامسوا ووعد
الثائر "المندس" الجندي بالا ينزح، ووعد الجندي الثائر "المندس" بأنهم لن يعودا إلا
معا كثائرين على ظلم ملت منه السنين.
ذكر أنهما تعانقا وان الصخرة التي وقفا عليها أصبحت حمراء بلون الدم.. دما أم خجلا
أم فرحا.. اقسم باسم آلهة الحرية أني لست ادري.. نعم فما العيب أني لست ادري..
فالدموع كانت بطل الموقف وغطت أعين الجميع.. وعيناي.
يومها تمنت الصخرة لو أن المطر يسرع في المجيء لتغسل وجهها حياءً, لكن اللون الأحمر
كان أزهى من أقحوان الجولان وبنقاوة ماء زمزم.. والجرح بعمق الشوق للحرية.. وثبت أن
التعتيم على الحقيقة أكثر سوادا من كحل الأجفان.. قالها الجندي بصوت خافت ملء
الوديان... صوت خافت ملء الوديان... صوت خافت ملء الوديان.
يقال إن من تبقى من الثوار والجيش حاولوا أن يحملوا الصخرة الحمراء معهم إلى دمشق
بعد أن نقشت عليها أسماء كل المحافظات إلا القنيطرة.. أبت الصخرة الذهاب.. فوعدها
الجميع أنهم عائدون إليها أحرارا واقسموا أنهم عائدون معا قلبا واحدا رغم انف من
شرّق ومن غرّب.. تركوا خلفهم اللون الأحمر وأغدقت عليهم الأشجار بأغصانها الخضراء
وقلوبهم النقية البيضاء ومشى معهم الليل ليكتمل علم الثورة مرفرفا في سماء سوريا،
من درعا جنوبا حتى الحسكه شمالا والى قلب سوريا حلب ودمشق، وكانوا جميعا نجوم هذا
العلم.. وصاح الجميع عاشت سوريه حرة أبية أبية أبية ابيييييية.. إنها نعم
سوريههههههة بلد الأحرار.
أنا من الشمال وأبي هنا استشهد على صخرة في الجولان، وأنا يا أبي أعدك أنني سأبقى
كالصخرة صامدا اصرخ سلمية حتى أعانقك الحرية رغم انف الظلم والطغيان.. حريييييية.