النّارُ ومدينةُ الأنوارِ - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


النّارُ ومدينةُ الأنوارِ
نايف ابراهيم - 23\02\2013
1_مدينةُ الأنوارِ مدينةٌ عربيّةٌ عريقةٌ بأصولِها، مُشَرِّفةٌ بتاريخِها، غنيّةٌ بسمائِها وأرضِها ومائِها، فخورةٌ ببُناتِها وحُماتِها الّذينَ أحبّوهَا فعبدوهَا، وحوّلوهَا بجدِّهم واجتهادِهم وصدقِ انتمائِهم وولائِهم لجنّةِ الدّنيا وبُستانِ الْكونِ! فخورةٌ بهم لأنَّهم يتحلّوْنَ بالْمحبّةِ والتّسامحِ والتّعاونِ على الْبرِّ والتّقوَى! كما ويتحلّونَ بالْوطنيّةِ وسعةِ الصّدرِ وحُسنِ الضّيافةِ وإغاثةِ الْملهوفِ. فكانوا وعلى اختلافِ انتماءاتِهم الْقوميّةِ والدّينيّةِ والمْذهبيّةِ يعيشونَ كأُسرةٍ واحدةٍ آمنينَ مُطمئنّينَ، مَثلُهُم مَثَلُ الْجسدِ الْواحدِ، إذا اشتكَى مِنْهُ عضوٌ تداعَتْ لهُ سائرُ الأعضاءِ بالْحمّةِ والسّهرِ!
8_ذاتَ يومٍ ودونَ سابقِ إنذارٍ، اشتعلَتِ النّارُ في أحدِ أحياءِ المْدينةِ ففشلَ المْعنيّونَ بالأمرِ باحتوائِها والسّيطرةِ عليْها، ممّا أدّى إلى اشتدادِها وامتدادِها لبقيّةِ الأحياءِ، فازدادَتِ السّيطرةُ عليْها صُعوبةً، فراحَتْ تلتهمُ الأخضرَ والْيابسَ، ولا تُبقي ولا تَذرُ! فانقسمَ أهلُ المْدينةِ الْجميلةِ الْوديعةِ الآمنةِ بينَ مُطالبٍ بإخمادِها والْحدِّ مِنْ أخطارِها وأضرارِها، وبينَ مُتقاعسٍ عنْ ذلكَ، فراحَ كُلٌّ مِنْهُما يتّهمُ الآخرَ بإذكائِها واستغلالِها استغلالاً مشبوهًا تصطلي بنارِهِ الْبلادُ والْعبادُ، وذلكَ دونَ وازعٍ مِنْ دينٍ أو رادعٍ مِنْ ضميرٍ.
15_جيرانُ تلكَ المْدينةِ مِنَ ذوي الْقُربَى والّتي كانَتْ لهُم قُبلةً ومُنتجعًا، انقسموا أيضًا لمتفرِّجٍ مُتألِّمٍ لا حولَ لهُ ولا قُوّةَ في مُعالجتِها بالّتي هيَ أحسنُ، وشامتٍ ينفخُ فيها، ويصبُ جام غضبِهِ عليْها، فيزيدُ الطّينَ بَلّةً والْقلبَ عِلّةً.
وظلمُ ذوي الْقُربَى أشدُّ مَضاضةً على المْرءِ مِنْ وقعِ الْحسامِ المْهنّدِ
وأمّا الْمجتمعُ الدّوليُّ المْتبجّحُ بحقوقِ الإنسانِ، فحدّثْ ولا حرجَ عنْ تخاذُلِهِ وتآمرِهِ على تلكَ المْدينةِ بما فيها ومَنْ فيها، فلا هوَ ساعدَ على إطفاءِ نارِها، ولا تركَ أهلَها يُطفئونَها بأنفسِهِم، فراحَ يتفرّجُ على مَجازرَ ومآسيَ وخرابِ تلكَ المْدينةِ، ويُشاهدُ مَصائبَ ومُعاناةِ أهلِها، كمَنْ يُشاهدُ فيلمًا سينمائيًّا، لا يُوقظُ فيه شعورًا، ولا يُحرّكُ لديهِ ضميرًا.
24_مرّتِ الأيّامُ والشّهورُ والأعوامُ والمْدينةُ على حالِها تتآكلُ يومًا بعدَ يومٍ، وتنهارُ يومًا بعدَ يومٍ، ولسانُ حالِها يقولُ: "اللّهُمَّ أنتَ مُعيني ونصيري وإليكَ المآلُ" والْغريبُ والْقريبُ يُشاهدُ ذلكَ ويسمعُ ذلكَ دونَ أنْ يرفَّ لهُ جفنٌ، ودونَ استنكارٍ أو إنذارٍ، أو تنديدٍ أو تهديدٍ باتّخاذِ إجراءاتٍ حاسمةٍ رادعةٍ تُعيدُ الاستقرارَ والأمنَ والأمانَ لتلكَ المْدينةِ المْنكوبةِ.
29_حيُّ الشّمسِ جزءٌ لا يتجزَّأُ مِنْ مدينةِ الأنوارِ، وسُكّانُهُ جزءٌ لا يتجزَّأُ مِنْ سُكّانِها، فراحوا يُراقبونَ ما يجري في مدينتِهم مِنْ تخريبٍ وتدميرٍ، وما يحدثُ لأهلِها مِنْ تقتيلٍ وتعذيبٍ وتهجيرٍ، يُراقبونَ ذلكَ وفي عيونِهم دموعٌ كأنّها الْجمرُ! ويتضرّعونَ للْمولى عزَّ وجلَّ أنْ يرأفَ بمدينتِهم وأهلِها، ويُحوّلَ حربَها الظّالمةَ ونارَها المْستعرةَ بردًا عليْهم وسلامًا.
34_إذا كانَ الْعاقلُ لا يتّعظُ إلاّ مِنْ نفسِهِ، فالْحكيمُ يتّعظُ مِنْ غيرِهِ! فطوبّى لهؤلاءِ الّذينَ نظروا فاعتبروا، وتبصّروا في الْعواقبِ فسلموا مِنَ النّوائبِ! فعلى الرّغمِ مِنِ اختلافِ نشاطاتِهم واجتهاداتِهم، وتبايُنِ آرائِهم فيما حدثَ ويَحدثُ، إلاّ أنَّهم مُتفاهمونَ مُتّفقونَ جميعًا على صيانةِ وحدتِهم وسرِّ بقائِهم وهنائِهم، ودرءِ كُلِّ ما يُهدّدُها أو يُزعزعُ استقرارَها، وذلكَ بالْمحبّةِ والتّسامحِ والتّعاونِ وحرّيّةِ الرّأي والقُبولِ بالآخرِ واحترامِهِ.
39_هذا ما كانَ في حيِّ الشّمسِ، وهذا ما كانَ مِنْ أهلِهِ الْبررةِ المْخلصينَ، فهكذا كانَ آباؤُهُم وأجدادُهُم مِنْ قبلِهِم، وهكذا سيكونُ أبناؤُهُم وأحفادُهُم مِنْ بعدِهِم، فإنْ دلَّ ذلكَ على شيءٍ، فإنَّما يدلُّ على طيبةٍ في الأصلِ، وكرمٍ في الأخلاقِ، وحسٍّ بالمْسؤوليّةِ، وإخلاصٍ وولاءٍ لحيِّهم ومدينتِهم! فطُوبَى لحيِّ الشّمسِ بحُماتِهِ وبُناتِهِ! وطُوبَى لأهلِهِ بقُبلتِهم المْقدّسةِ وجنّتِهم السّحريّةِ الأبديّةِ.