حوار بين صوفي واناني
نبيل مهنا الحلبي - 17\05\2013
في خان صغير متواضع يقع في احدى المناطق النائية على سفح جبل اشم، التقى مسافران
غريبان كل منهما ات من جهة مختلفة..
كان الاول تاجرا جشعا لا يعرف حدا لشرهه للمال معتاش على زيف تجارته وعلى مال الربا
الذي ياخذة من المدانين له. همه الاول والاخير هو تحسين احواله وظروفه حتى ولو بطرق
ملتوية تخلو من اي منطق. لا يكترث بمن يتعامل معة من ناحية انسانية غير مبال بمشاعر
الاخرين، فهو سفيه وضيع والى ما هنالك من صفات تذكر بهذا الصدد.
اما الاخر فهو رجل دين عاف الناس وتناقضاتهم قصد هذا الخان لينعم باجواء هادئة
مطمئنة قريبة من الجبل الذي يعده ملهما لتاملاته. فكان قد قطع عهدا على نفسه الا
يرتكب اية معصية وهو الادرى بالتفرقة والتمييز بين المعاصي وسواها من الفضائل، وذلك
لوضوح ضميره ورجاحة عقله ونقاء سريرته، فكرس نفسه لمعرفة الخالق والتقرب من الله.
وكان شغوفا لكشف اجابات كثيرة عن اسئلة وجودية شغلت فكره الباحث عن الاستنارة (ما
هو الكون وكيف خلق؟ ما هي اسرار الحياة وما هي حقيقة النفس البشرية؟) كل هذة
تسائلات كانت تدور في ذهنه وتحيره، فارتأى ان يجادل بعض الاشخاص في هذه الامور
الروحانية، لعله يمسك بطرف الخيط لاجوبته الشافية.
فلما نال قسطا من الراحة بعد ان استقر في غرفته، نزل الى حانة الخان في الطابق
السفلي، فلمحت عيناه ذلك التاجر جالسا الى احدى الطاولات وهو يحسب في دفتره الصغير
(حجما وقيمة). لمحه وهو يحسب نسبة الارباح التي حققها في صفقته الاخيرة وبذات الوقت
كان يخطط لصفقة جديدة، ويتسائل من سيكون ضحيته القادمة ومن سيتصدر قائمة استغلالاته
الوضيعة والرقيعة. فدنى الية وطلب منه الجلوس.
رجل الدين: عمت صباحا يا اخي، هل تسمح لي بالانضمام الى طاولتك.
التاجر: وهل يمنعك احد.
رجل الدين : كيف قضيت ليلتك الاولى؟ هل احببت المبيت هنا؟ هل نمت نوما هنيئا؟
التاجر: وهل يهمك الامر.
رجل الدين: عفوا لا اقصد التدخل بشؤونك، لكني اتساءل من باب التودد، فانا حقيقة
تهمني كل نفس بشرية، واحاول ان اعرف مسراتها ومعاناتها.
التاجر: (وهو يردد في نفسه والمكر باد في عينيه) خمسة وستون ستة وستون، نعم ربما
استطيع ان احتال عليه. نعم، ماذا ماذا قلت مسرتي؟ مسرتي جيدة شكرا لك. لكن قل لي من
انت وماذا اتى بك الى هنا؟
رجل الدين: انا كما ترى متنسك زاهد مللت زيف الحياة وترهاتها، قصدت هذا المكان
لاختلي بربي ومليكي واصفي قلبي وعقلي من اي شوائب سامة. فلطالما احببت السمو الروحي
والنقاء الوجداني.
التاجر،وهو يضحك بسخرية: وجد من وجد وماذا وجد، اوجد شيئا ثمينا؟ ما هذا الكلام
المبهم الذي تتفوه به يا هذا. وجداني وسمو، حقا انه كلام غريب.
رجل الدين: الا يلين قلبك لسماع هذة الكلمات يا اخي؟ الا يتحرك شيء ما بداخلك يدفعك
لتذوقها وفهم معانيها؟
التاجر: كفاك سذاجة يا هذا. ما افهمه هو ما اجنيه من لقمة عيش تسد الرمق، ام تريدني
ان اتغذى على هذا الكلام
الخاوي من اية منفعة!
رجل الدين: لا اخفيك سرا يا اخي، لكن هذا الكلام يعد بالنسبة لي كغذاء روحي اقوي به
عزيمتي على الاتيان بفعل الخير.
التاجر: حسنا فلتقوى على النهوض من هنا اذا، فانا كما ترى منهمك بافكاري المربحة..
نهض الناسك المتعبد من جوار التاجر الجشع وهو خائب الرجاء من اي محاولة اخرى
للتقريب بين وجهات النظر، ثم لبس عباءته الصوفية وخرج من باب الخان هائما على وجهه
طالبا عفو المولى وصفحه، حتى وصل الى غار صغير يقع في اعلى قمة الجبل، فاستقر هناك
قريبا من ربه وشرع بممارسة طقوصه الصوفية مقهقرا نفسه واعضا اياها، فانجلت له افكار
وعوالم جديدة من المعارف، مكنتة من كشف اسرار الوجود وسبر غور اعماق النفس البشرية.
ثابر على تاملاته هذه حتى اكتملت دائرة الحياة فيه واندمجت بداخله جميع متناقضاتها،
فبات جزءا من من لمس ذيل ثوب الله نقيا صفيا عقلا وقلبا.....
اما تاجر الربا الطماع فقد انشغل بصفقته الجديدة التي كان هدفها الاستيلاء على
الخان الذي اواه مقابل سعر بخس، متجاهلا كرم الضيافة وحسن المعاملة ناكرا للجميل.
توجة التاجر المرابي نحو صاحب الخان عارضا عليه صفقته الغير مقنعة. وبشكل يخلو من
اي احترام لذكاء محاوره بدا يقنعه بما هو عصي على ذلك.. طفح الكيل بصاحب الخان من
نجاسة التاجر ودنائة خلقة المشوه، فقام فورا بطرده من المكان، راميا خلفه امتعته
ومقتنياته، قاذفا بها في وجهه غير المريح. فنزل التاجر من سفح الجبل يجرجر ورائه
اذيال الخيبة، محاولا تصحيح اساليب تفكيره جاهدا بتهذيب غاياته الخبيثة المبطنة.
ولانة مفطور على غير ذلك، فطبعه غلب تطبعه، لم يفلح، فتاكلته الضغينة واعماه الحقد
والحسد، لدرجة انة لم يستطع ابصار دربه في النزول من سفح الجبل، فتعثر ووقع عن جرف
شاهق، ولسوء حظه دقت عنقه.