سيدنا أبو ذر الغفاري(عليه السلام) - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

سيدنا أبو ذر الغفاري(عليه السلام)
بقلم: رامز رباح - 23\08\2013
بسم الله الرحمن الرحيم
آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم، صادق اللهجة والكلام، كثير المعرفة والنظام ، رمز صحوة ويقظة ضمائر أهل الحق الحية في مواجهة الظلم الاجتماعي والمغريات الدنيوية. إنه الصحابي الجليل والعلم الورع الفاضل الفضيل سيدنا الطاهر الغني الزاهد ، والشجاع القوي المجاهد ، الذي لا ينطق إلا بالحق والتوحيد ، ولا يحيد عن طاعة الصمد المجيد : أبو ذر الغفاري (عليه صلوات الباري ). ننطلق من كنيته حيث رأى رغيفاً يعلوه الذر وهو النمل الدقيق الأحمر فوضعه في الميزان ثم أزال الذر عنه ووضعه في الميزان مرة أخرى فلم يتغير وزنه فقال: "هذا ميزان الدنيا، أما ميزان الأخرة فإني أقول لكم بأنه يطيش في ذرة واحدة"، فلقب بأبي ذر، وذلك مصداق الآية القرآنية الكريمة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه)[الزلزلة:7] * ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه )[الزلزلة:8]. اسمه جندب بن جنادة الغفاري من قبيلة غفار ولقب باليعفوري لأنه سكن في منطقة يعفور بجانب الشام، وكانت قبيلته رجالاتها أقوياء، كثيرين العدد، يقطعون الطريق، وتهابهم الناس. جاء عنه في الطبقات الكبرى لابن سعد في التاريخ الإسلامي: "كان أبو ذر يتأله في الجاهلية" أي يقول لا إله إلا الله وهي فترة انقطاع الرسل ومن هنا نستدل على كبر منزلته (عليه السلام). وبعد ظهور النبي (صلى الله عليه وسلم) جاء رجل وقال له: "يا أبا ذر لقد ظهر رجل في مكة يقول مثل ما تقول أنت لا إله إلا الله". فانطلق إلى مكة فلقيه الإمام علي (كرم الله وجهه)فأخذه إلى بيته وكرمه فبقي في ضيافته ثلاثة أيام وبعدها سأله عن حاجته. قال: " سمعت عن نبي ظهر في مكة وأرغب في لقائه" فأخذه سراً إلى النبي الكريم(ص) فلما دخل عليه حياه بتحية الإسلام وكان أول من حيا بها وهي: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وكان خامس من أمن به. فقال له الرسول: "ارجع إلى قومك، فأخبرهم، واكتم أمرك عن أهل مكة فإني أخشاهم عليك" فقال:" والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين ظهرانيهم" فخرج إلى المسجد وأصبح ينادي بالشهادتين بوجود أكابر أهل مكة فضربوه حتى أغمي عليه وهمّوا بقتله فحماه العباس عم الرسول وقال لهم: "ويحكم هذا الرجل من قبيلة غفار وإذا قتلتموه لن تستطيعوا السفر إلى الشام، فتتأذى تجارتكم" فتركوه وعاد إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام فآمن نصفهم فقال عنهم الرسول(ص): "غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا ، وَأَسْلَمَ سَالَمَهَا اللَّهُ".وجاء عنه أيضا، ما روي عن أبي عبد الله الصادق قال:
"دخل أبو ذر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومعه جبرئيل، فقال جبرئيل: من هذا يا رسول الله؟
قال: أبو ذر.
قال: أما إنه في السماء أعرف منه في الأرض، وسله عن كلمات يقولهن إذا أصبح، قال: فقال: يا أبا ذر، كلمات تقولهن إذا أصبحت، فما هنّ؟
قال: أقول، يا رسول الله: (اللهم إني أسألك الإيمان بك، والتصديق بنبيك، والعافية من جميع البلايا، والشكر على العافية، والغنى عن شرار الناس(". وقال عنه الرسول الكريم (ص):" إن الله عزّ وجلّ أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبّهم: عليّ، وأبي ذر، والمقداد، وسلمان".وقال أيضا:" من أحبّ أن ينظر إلى يسوع المسيح ، إلى بره وصدقه، وجدّه، فلينظر إلى أبي ذر. إن أبا ذر ليباري يسوع المسيح في عبادته." وقال أيضا:" ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يخشى في الله لومة لائم". وبرز دوره في وقت الخليفة عثمان (ر) فكان ينطق بالحق ويطالب بإنصاف الفقراء حتى لقب بأول اشتراكي وثائر ضد الظلم الاجتماعي عندما قال مقولته المشهورة: "عجبت لامرئ دخل بيته فلم يجد فيه ما يطعم عياله ولم يخرج للحاكم شاهراً سيفه". فنفوه من المدينة إلى الشام، وفي طريقه مر بمنطقتنا فتباركت بلادنا بوجوده وبني مقامه الشريف في المنطقة التي جلس بها وسمي المرج بمرج اليعفوري تكريما وكرامة وتبركاً بحضرته فتباركت البلاد وطابت ثمارها. وجاءت زيارة مقامه الشريف في الخامس والعشرين من شهر أب من كل سنة قبيل البدء بموسم قطاف التفاح لتتبارك البساتين بتشريف شيوخنا الأطهار الأفاضل الذين يزورون مقامه المقدس من كل مكان. وفي الشام اجتمع حوله فقراء أهل الحق وكان يحدثهم بالأحاديث الصحيحة ويفتي لهم، ويعترض على معاوية في تولية المقربين ، وعدم إنفاق الأموال على فقراء المسلمين، فحاول إسكاته عن طريق الرشوة فأرسل له عبداً من عبيده وقال له: "انطلق إلى أبي ذر وأعطه هذه ألثلاثمئة دينار فإن قبلهم تكون أنت حراً لوجه الله تعالى وإن رفضهم ستبقى في الرق"، فعرض العبد الأمر على سيدنا أبي ذر فأجابه: " يا هذا وإن كان في عتقك رقي" ورفض أن يأخذهم. وعندما بنى معاوية قصره الخضراء جاء الناس مهنئين وكان من بينهم سيدنا أبو ذر فقال له: " يا معاويه: إن كان هذا المال الذي أنفقته في بناء هذا القصر من مالك الخاص فهو التبذير وإن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وإن كان من بيت مال المسلمين فهي الخيانة" فأرسل إلى الخليفة عثمان وقال له: "لإن بقي أبو ذر في الشام فسيثور الناس عليك" فكتب له: "أرسله إلي على أغلظ مركوب" فأرسله على جمل بدون رحل فتقشرت أجنابه، وبقي ينطق بالحق ويعترض على الغلط ويردد الآية القرآنية الكريمة "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" حتى نفوه إلى صحراء الربذة، فهجر الأهل والوطن والأصحاب لكنه لم يهجر الحق النفيس وتوفي هناك وحضر وفاته قافلة صغيرة من المسافرين فصّلوا عليه ودفن هناك وتعتبر جنازته اصغر جنازة في التاريخ رغم جلالة قدره وكبر درجته ومنزلته . فقال قبل وفاته رغم الظلم الذي لحق به والمعاناة الكبيرة التي عاناها والتعدي الذي وقع عليه: " من أذاني من جماعتي وإخواني أعامله بخمس
.1 لا أرد عليه
.2ولا أحقد عليه
.3وإن زارني أحسن إليه
.4ولا أطالبه يوم العرض عليه
.5ولا أدخل الجنة إلا به إن قدرت عليه ". ليعلمنا درس كبير في التسامح وعدم التربص للانتقام والحقد، ووجوب المسامحة بين الاخوة في الدين والوطن رغم الشجاعة والجرأة الكبيرة التي كانت عنده (عليه السلام).
ونحن أيها الإخوة والأخوات أحوج ما نكون لحفظ هذه الخمس والعمل بها من سيرة سيدنا اليعفوري المباركة. نفعنا الله ببركاته وسيرته المباركة وزيارة مقبولة للجميع ...