أدباء ومبدعون عرب «يتفقون»: نوبل ليست لنا

على الرغم من الثراء الأدبي في الشرق الأوسط والقارتين الأفريقية والآسيوية، فإن نوبل تشيح بوجهها بعيدا عن الأدباء، في 20 دولة عربية، وتخلق بذلك هاجسا لديهم يتولد عنه تساؤل أكبر: لماذا لا يحصل كبار الكتاب العرب على «نوبل»؟

يقول المترجم والكاتب السوري بدر الدين عرودكي: {هناك عاملان هما الانتماء القومي للحائزين على الجائزة واللغة التي يكتبون بها. فإذا أخذنا الانتماء القومي وجدنا أن الفرنسيين الذين حازوها يأتون في المرتبة الأولى (15)، في حين يأتي الإنجليز في المرتبة الثانية (12)، والأميركيون في المرتبة الثالثة (10). وإذا أخذنا الانتماء إلى قارات العالم الخمس وجدنا أن أوروبا تأتي في المرتبة الأولى (77). أما اللغة السائدة لدى الحائزين على الجائزة، فهي اللغات الأوروبية: تأتي اللغة الإنجليزية في المرتبة الأولى (28)، وبعدها اللغة الفرنسية (16)، ثم اللغة الألمانية (13)، ثم اللغة الإسبانية (11). ثم تأتي بعدها اللغات الأخرى التي يتراوح عدد كتابها، الذين منحوا الجائزة، من 1 (العربية والبرتغالية والتشيكية والتركية والعبرية)، إلى 2 (اليونانية واليابانية والصينية والدنماركية)، إلى 3 (النرويجية)، إلى 4 (البولونية)، إلى 5 (الروسية)، إلى 6 (الإيطالية)، إلى 7 (السويدية)».

ويخلص عرودكي، أحد أهم مترجمي روائع الأدب الغربي، في ضوء هذه الأرقام، إلى أن جائزة نوبل تبقى جائزة أوروبية أولا وغربية ثانيا، وأن عالميتها لا تأتي إلا من أخذها بعين الاعتبار، بين الحين والآخر، اللغات الأخرى، كما نرى في منحها لكاتب يكتب بلغة غير أوروبية (شريطة أن تكون أعماله قد ترجمت، على كل حال، إلى إحدى هذه اللغات بالطبع، لا سيما إحدى اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية).

إعلان

إعلان

إعلان

ويشير مترجم كتاب «معك» لسوزان طه حسين إلى أن «الرواية التي تكتب بالعربية اليوم، أيا كان الرأي فيها أو في مستواها أو في تسويقها بمختلف الوسائل، لا علاقة لها بابتعاد جائزة نوبل عن الأدباء العرب. ذلك أن الجائزة لا تمنح عادة إلا للكاتب على مجموع أعماله لا على عمل بالذات، حتى وإن صادف وأشارت اللجنة المانحة إلى عمل محدد في تقريرها. ومن ثم لا علاقة لمستوى الكتابة الروائية ولا لتراجع النقد الأدبي ولا لتهميش الأدب الجيد ولا انحسار الترجمة بمنح الجائزة لكاتب عربي».

ويجزم عرودكي: «إننا لو طبقنا الصورة النمطية التي رسمتها صحيفة (لوموند) على الحائز على جائزة نوبل على أدونيس مثلا، لقلنا إنه لن يحصل عليها إلا باستثناء تاريخي. أعني الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، إذ لا ينطبق عليه أي من العناصر الضرورية الموجودة في الصورة النمطية لمن يحمل نوبل، فأمين معلوف مثلا يتوفر لديه عدد من العناصر المشار إليها، لكنه إن حصل عليها فلن يعتبر بين الكتاب العرب، لأنه لم يكتب إبداعاته باللغة العربية (مثل نحيب محفوظ مثلا)، بل سيعتبر من الكتاب الفرنسيين نظرا لأنه لم يكتب إلا بالفرنسية، لا سيما أنه يصنف في عداد الكتاب الفرنكفونيين، فضلا عن أنه عضو كامل العضوية في الأكاديمية الفرنسية».

وحول المرشح العربي الأحق بالجائزة من وجهه نظره، قال: «ما أكثرهم وما أقلهم! لو كانت الجائزة تمنح لمن رحلوا وما أكثرهم، لكان الخيار شديد الصعوبة. ولو اقتصر الأمر على من هم على قيد الحياة لكان الخيار أكثر سهولة، نظرا لضآلة العدد الذي لا أظنه يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، هذا إن بلغها».

ويرجع الناقد والشاعر سيد محمود، رئيس تحرير جريدة «القاهرة الثقافية»، أسباب ابتعاد نوبل عن العرب إلى غياب ما يسميه «الكاتب المشروع». ويقول: «ليس لدينا كاتب يتسم بغزارة الإنتاج ولديه مشروع واضح ومحدد تتسم به أعماله. وكان محفوظ واضحا في مشروعه، وكان محظوظا بوجود المترجم دينيس جونسون ديفيز، الذي عكف على ترجمة أعماله وروائع الأدب العربي أيضا، بينما اليوم نجد أن علاء الأسواني ترجمت أعماله على أيدي مترجمين عدة. وعلى مستوى العالم العربي، لدى أدونيس مشروع واضح، وترجم لنحو 10 لغات. وكان محمود درويش صاحب مشروع. وهناك الشاعر الكردي شيركو بيكه س، الذي لديه موقف سياسي عظيم. ولدينا ربيع جابر الذي لم يترجم بشكل يليق بأعماله».

ويرفض محمود موقف الأدباء العرب الذين يتحدثون عن الجائزة من منطلق نظرية المؤامرة، قائلا: «كل جائزة هي مصادفة. نحن نفرض احتياجاتنا ونتجاهل سؤال القيمة، ونسقط أمراضنا السياسية على القيمة والمشروع. فمثلا لو فاز أمين معلوف أو آسيا جبار أو بن جلون، سيكون السجال الدائر حول: هل العروبة عروبة الانتماء أم عروبة النص؟ في حين أن الأدب لغة عالمية!».

ويرى سيد محمود أن قيمة الجائزة من المفترض أن تكون أدبية بالأساس، وأن «جائزة الغونكور الأدبية قيمتها أرفع كثيرا من نوبل وأكثر مصداقية»، لكن محمود يؤكد تفاؤله بما تتيحه جوائز عربية رفيعة، مثل البوكر، لأنها تتيح ترجمة أعمال الفائز إلى لغات عدة، ومن ثم تفتح نوافذ جديدة على الأدب العربي».

«نحن لسنا يتامى على مائدة نوبل». يقول الأديب المصري يوسف القعيد، رافضا الهالة التي يسبغها بعض العرب على «نوبل». ويضيف: «لسنا في حاجة إلى نوبل، فهي جائزة رجل أضر البشرية، في حين أن الأدب هو ترياق البشرية وإكسير الحياة. كفانا هوانا وانتظارا لمجرد جائزة لن تضيف أو تقلل من أدبنا. العرب ليسوا أقل من السويد. علينا أن ندفع بأموالنا لتدشين جائزة عربية تفوقها ماديا، لكن ستبقى أمامنا مسألة النزاهة والسرية، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا بالنسبة لنا».

ويشير القعيد إلى أن «نوبل لم تعلن عن مداولاتها السرية منذ تأسيسها عام 1901 حتى الآن، ولا صحة مطلقا لما يتم تداوله بأن أدونيس مرشح أبدي أو غيره، لأننا لا نعلم مطلقا أمرا عن الترشيحات السرية، حتى نجيب محفوظ نفسه لم يكن يعلم من رشحه!».

كما يرفض القعيد تعليق «خيبة نوبل»، كما سماها، «على شماعة الترجمة وانحسارها، لأن ترجمات أعمال نجيب محفوظ، وقت حصوله على الجائزة، كانت أقل منا الآن بكثير. فعلى مجانين نوبل أن يكفوا ويستريحوا».

ويتفق معه إبراهيم عبد المجيد، الذي أصبحت روايته «لا أحد ينام في الإسكندرية»، ضمن أفضل 100 رواية في تاريخ الإنسانية وفقا لموقع «ليست ميوز». ويقول: «نوبل بالأساس هي جائزة للأدب الأوروبي ونادرا ما تحصل عليها أي ثقافة أخرى. وأعتقد أن وجود أنظمة ديكتاتورية في العالم العربي قد يكون السبب في نظرة العالم لنا وانصرافه عن أدبنا، مع الأخذ في الاعتبار قلة المترجم من إنتاجنا مقارنة بغزارة الإنتاج».

ويقول إبراهيم إن فوز محفوظ تحديدا، من بين كبار الأدباء في تاريخنا، «دخلت فيه عوامل أخرى. وقتها كانت مصر تعيش حالة من الانفتاح على العالم، ولم تكن مؤسسات الثقافة خاضعة لابتزاز بعض الكتاب، فلا أعول على المؤسسات الثقافية في مصر في القيام بأي دور تجاه ترجمة روائعنا الأدبية».

ويقول الكاتب والناقد د. زين عبد الهادي، رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية الأسبق: «هناك أسباب فنية واجتماعية وسياسية تقف خلف ابتعاد العرب في مجال الأدب عن نوبل. ولا شك أنه لا يكفي العرب حصول كاتب واحد على الجائزة. ويتساءل: «أين كانت نوبل من طه حسين، والحكيم، وجبران، وخليل حاوي، وجيل بدر شاكر السياب، ومحمود درويش، وأخيرا أدونيس، والطاهر وطار، وجمال الغيطاني، وإبراهيم عبد المجيد، وغيرهم الكثير؟»

ويضيف: «لا شك في أن نوبل تتعامل مع جوائزها من خلال بعدين، هما: البعد الإنساني في الأعمال التي حصلت على الجائزة، والبعد السياسي الموشوم بالليبرالية والفكر الرأسمالي. كذلك لا شك في أن الأدباء العرب لم يحظوا بالدعم الإعلامي اللازم لتقديم أعمالهم وعوالمهم الخاصة، وهو تقصير في الترجمة العكسية، أي من العربية إلى اللغات الأخرى التي كان يجب أن تقوم بها المؤسسات العربية الثقافية الحكومية والخاصة، والتي من الواضح أنها لم تقم بأي مجهود في سبيل ذلك».

ويشير عبد الهادي إلى أن «الأوضاع السياسية لم تتحسن كثيرا في العالم العربي، وهذا ما يؤكد أن هناك علاقة ما بين هذا الأمر وبين الرواية أو الكتابة التي تستحق نوبل. كما أن بعض الكتاب لا يكتبون في فضاء من الحرية، بل تربط بعضهم علاقات بالنظم الحاكمة السياسية، لذلك تبتعد نوبل عنهم، خصوصا أن من الملاحظ أن نوبل تمنح لمن هو قريب بشكل أو بآخر من القضايا اليهودية، أو أنه يعترف بالأخطاء السياسية التي ارتكبتها النظم الحاكمة الديكتاتورية، أو للطبيعة الإنسانية الشاملة في هذه الأعمال».

+ -
.