يزخر وسط اللاجئين السوريين بالعديد من المواهب الرياضية، بعضها بدأ نجما بالسطوع وبعضها الآخر يتلمس طريقه. فكيف تبدو فرص هؤلاء في ألمانيا؟ وما هي الصعوبات التي تواجههم. DW عربية التقت ببعض هذه المواهب وكان التقرير التالي.
تستعد يسرى مارديني لخوض غمار التصفيات المؤهلة لأولمبياد ريو دي جانيرو. تظهر في الصورة أيضا شقيقتها سارة مارديني، حاملة عدة ألقاب في سوريا.
اتخذ محمد الظاهر، 40 سنةً، مكانه في وسط العوارض الثلاثة ليتصدى لركلات الجزاء. لم يكن الراكل إلا ابنه “الساحر” أحمد، الذي أكمل سنته السابعة قبل أسابيع قليلة. ينطلق أحمد كالسهم ويناور محاولاً خداع أبيه الحارس. وقد نجح في إدخال بعض الأهداف ونجح الأب في صَدّ بعض الركلات. شككنا في أن يكون الأب متهاوناً في صد ركلات الابن. فجربنا حظنا ووقفنا كحارس للمرمى. لم يكن بإمكاننا فعل أفضل مما فعله الأب. مهارات أحمد الفنية ملفتة للانتباه، وقدراته فائقة في الاستحواذ على الكرة والاحتفاظ بها حتى وهو معصوب العينين.
سطع نجم أحمد فور وصوله إلى مدينة بواتسدام؛ “بالنسبة لعمره، فالأداء رائع ومدهش”، تقول زينا، الطفلة الألمانية ذات الاثنتي عشرة سنة والتي تعرفت على أحمد هنا في الملعب. طلب أحمد منا أن نترجم لـ زينا جملة “في حال غادرنا بوتسدام، سوف نشتاق لك”. “نزل أحمد على أرض الملعب وعمره سنة واحدة فقط، وتوقع له كل من رآه شأناً عظيماً في عالم كرة القدم” يقول أبو أحمد بفخر.
“رعاية” واحتضان
حطت عائلة محمد الظاهر رحالها في بوتسدام قبل حوالي خمسة أشهر. وحصلت قبل أيام قليلة على حق اللجوء. “خلال هذه الفترة سمع نادي Große Glienickeعن قدرات أحمد فجاء المدرب إلينا واصطحبنا بسيارته إلى النادي وعاينوا أحمد على أرض الملعب”، يقول والد أحمد. يتدرب أحمد في النادي ثلاث حصص تدريبية في الأسبوع، ويقدم له النادي “التجهيزات الرياضية اللازمة”، كما يخبرنا أبو أحمد.
“الساحر” أحمد يتمتع بمهارات كروية عالية جداً
بعد عودتنا من الملعب إلى بيت عائلة أحمد الظاهر، بدّل أحمد لباسه الرياضي واستأذن والديه في النزول واللعب مع أطفال الحي. البيت بسيط ولكنه مرتب ونظيف. “أوفر له الراحة الكاملة وكل ما يحتاجه في حياته ولدعم تطوره الرياضي: النظافة الشخصية والبيتية، الغذاء المتوازن والجيد، النوم الكافي وفي أوقات منتظمة”، تقول أم أحمد بعفوية وبساطة. أما الأب، فيشرح اعتنائه بأحمد وبموهبته: “بشكل يومي، بعد الواحدة ظهراً حتى نومه أنا متفرغ لأحمد: اصطحبه للنادي للتدريب، وفي اليوم الذي ليس لديه تدريب في النادي، أقوم أنا بتدريبه. كما أقوم بإدارة حسابه على الفيسبوك والتواصل مع الإعلام”. أطلق الحساب منذ نزول أحمد إلى الملعب العام 2010. لديه الآن 5000 صديق وحوالي 4000 متابع.
التطلع للمشاركة في الأولمبياد
ابتسم الحظ أكثر للسباحة الشابة يسرى مارديني، 18 سنةً، وعائلتها بشكل أكبر. فقد حصلت على دعم وتبني من نادي السباحة Wasserfreunde Spandau 04، وهو نادي عريق إذ حصل سباحوه في النصف الأول من القرن العشرين على العديد من الألقاب الأولمبية. وضع “يسرى يشبه الرعاية وليست في عقد. منحنا النادي أنا وهي وأختها سارة سكن في المدينة الأولمبية، والتدريب والإشراف المجاني وكذلك تجهيزات السباحة”، يقول والد يسرى محمد عزت مارديني، الذي حصل على لقب بطل الجمهورية للسباحة أكثر من مرة في سوريا ويعمل مدرباً منذ عشرين عاماً. كما درّب في النادي الأرثوذكسي الأردني.
تحمل يسرى في رصيدها عدة ألقاب على مستوى سوريا. أما هنا في ألمانيا فهي تستعد لخوض غمار التصفيات النهائية للمشاركة في أولمبياد ريو دي جانيرو في البرازيل الصيف المقبل. يبدو أن والدها واثق من قدرتها على المشاركة، إذ يقول “فرصة صعودها ما يقارب 85 إلى 90 بالمائة. مجرد الوصول للأولمبياد هو إنجاز، وحتى لو لم تتمكن من تحقيق الكثير. الخطة التدريبية الموضوعة هي لأربع سنوات. عيننا على أولمبياد طوكيو، وليس على ريو دي جانيرو”. وفي حالة ما تحققت الفرصة للمشاركة فستكون ضمن فريق اللاجئين الذي سيشارك بالأولمبياد لأول مرة.
تنحدر يسرى مارديني من عائلة سباحيين. فمنذ ولادتها يحيطها الماء من كل الجوانب. بالإضافة لوالدها هناك أربعة من أشقائها سباحون معرفون ومدربو سباحة، فعمها حسام حصل على لقب عربي. وكذلك حاز ابن عمتها، وسيم زويزر، على لقب عربي. ولا ننسى شقيقة يسرى، سارة، الحائزة على ألقاب سوريّة. يقول والد يسرى”بعد وصولي في نهاية العام المنصرم شاركت المدرب الألماني بتدريب يسرى لحظة بلحظة، على الرغم من انفصالي عن الأم إلا إن هذا لم يؤثر على دعمنا لها، كل العائلة وراءها لتحقيق طموحها. العائلة تريحها نفسياً، لأن السباح لا يعطي إذا كان مشغول البال”.
وراء كل رياضي عائلة رياضية!
قصة طارق سعودي، 23 سنة، لا تختلف في إطارها العام عن قصة كل من أحمد ويسرى، ولكن في التفاصيل. “لعبتُ مع نادي الاتحاد، فئة الأشبال، وحصلنا على المركز الرابع في الدوري الممتاز”، يصرح لنا طارق. الاتحاد نادي يحسب له حساب في سوريا، فقد نال عدة مرات بطولة الدوري الممتاز وبطولات الكأس وفاز بكأس الاتحاد الآسيوي عام 2010. “كما شاركتُ لأشهر قليلة بالتدريب مع المنتخب السوري في معسكرات داخلية”، يتابع طارق.
أما في برلين فقد تابع طارق مشواره الكروي فور وصوله قبل أكثر من سنتين، فشارك في تأسيس “النادي الرياضي السوري” في برلين ولعب فيه، ثم انتقل بين عدة أندية في العاصمة الألمانية قبل أن يستقر به المقام في فريقConcordia Wilhelmsruhقبل ثلاثة أشهر. يلعب الفريق في دوري الدرجة الثانية على مستوى ولاية برلين.
طارق سعودي برفقة زميل له ألماني
“بدأتُ بلعب كرة القدم وأنا في سن التاسعة”، يخبرنا طارق وهو يرجع بالذاكرة إلى الوراء. وعن بداياته ومن شجعه ودعمه، يقول طارق أنه “شقيقي رائد”. رائد، 28 سنةً، لاعب سابق في أشبال وناشئي الاتحاد: “كنتُ اصطحب طارق معي للملعب، وبإحدى المباريات الودية أشركتُ طارق باللعب بالفريق وقد لفت الأنظار وخصوصا أن اللاعبين كانوا يكبرونه بخمس سنوات آنذاك”. ويضيف رائد: “أبي وأخي يمان لعبا لنادي الاتحاد؛ فنحن كعائلة رياضية ندعم طارق”. غير أن والداه يريدان منه أن يركز على دراسته أكثر.
صعوبات ووعود وعروض “معايشة”
يحاول عزت، هو الآخر، شق طريقة كمدرب سباحة، يقول أن أهم ما يعيقه هي “اللغة”. “وعدتني مديرية النادي بفرصة عن طريق إعطائي مجموعة لأدربها. ومن ثم اعتمادا على النتائج تقرر تشغيلي من عدمه”.
يعاني أبو أحمد من عدم معرفته بـ”اللغة” لتسويق ابنه وفتح آفاق له، في هذا السياق يقول “جاءتنا وعود من عدة وكلاء للاعبين لتقديمه لنوادي كبيرة في ألمانيا كبايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند. وجاءنا اتصال من باريس سان جيرمان لاستضافتنا أسبوع والتعرف على أحمد على أرض الملعب. كما تواصل معي واحد من أكبر أربعة أندية عالمياً (تحفظ على ذكر الاسم) ودعانا كذلك”. تُسمى الفترة التجريبية هذه في عالم كرة القدم “معايشة”.
اشتكى أبو أحمد الظاهر من الشروط القاسية التي يطلبها “وكلاء اللاعبين”(رجال أعمال للرياضة)، إذ أن بعضهم يطلب عقد احتكاري مدى الحياة و60 بالمائة من قيمة أي عقد يحصل عليه أحمد، حسب قول أبو أحمد. في ظل هذه الشروط القاسية، قرر العمل على تسويق أحمد بنفسه.
الأمر نفسه اشتكى منه طارق سعودي: “اللاجئ يأتي غريب إلى ألمانيا، ليس لديه بوصلة، حاولت الوصول لأحد هؤلاء الكواشف (وكلاء اللاعبين) ولكني لم أفلح”.
ويؤكد طارق صعوبة اللغة في “البداية” ولكن الاحتكاك بالألمان عن طريق الرياضية “يحسن اللغة”، حسب قوله. رغم كل الصعوبات يصر طارق على تحقيق حلمه وهو “اللعب في الدوري الألماني الممتاز، البونديسليغا. فلا شيء مستحيل في عالم كرة القدم”، يختم طارق حديثه مع DWوعينه ترنو نحو المستقبل.