أوباما لن يساوم على دمشق

لم يكن نبأً ساراً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تتحول معركة «داعش» للسيطرة على مدينة عين العرب، قنبلة موقوتة في تركيا، حيث فرض حظر تجول في بلدات سالت فيها دماء كردية تركية على وقع الخوف من مجزرة كبرى في المدينة، بعد قتال شرس. وليس مبالغة القول إن «شطارة» أردوغان في رهانه على حاجة الأميركيين والغرب عموماً إلى الدور التركي في الحرب على «داعش»، انقلبت إلى حصار لأنقرة لا يقل شراسة عن قتال هذا التنظيم في عين العرب.

«الشطارة» انتهت عملياً إلى صدمة، وخيبة كبرى للأتراك الذين يشكون «تعنّت» الأميركيين في رفض ثلاثة شروط أعلنها أردوغان للقبول بتدخل ينقذ المدينة المنكوبة من مصير مأسوي.

صحيح أن أنقرة لن يمكنها في النهاية التعايش مع هيمنة «داعش» على معظم الحدود السورية- التركية، لكن الأكيد ايضاً أن إدارة الرئيس باراك أوباما أعطت ما يكفي من المؤشرات للجهر بأن تبديل نظام الرئيس بشار الأسد ليس من مهمات التحالف… على رغم رفض واشنطن تعويم شرعية هذا النظام.

وما يفهمه الأتراك من الضغوط الأميركية خلال الساعات الأخيرة، هو أن إدارة أوباما لا تقايض تدخُّلاً تركياً لإنقاذ عين العرب، بقرار بإطاحة النظام السوري، ولا تنوي في أي حال استجابة طلب أردوغان إقامة منطقة آمنة داخل أراضٍ سورية يتولاها الأتراك براً وبعمق خمسين كيلومتراً، فيما التحالف يحميها جواً بحظرٍ تفرضه طائراته.

وما يدركونه في أنقرة أن سبب خيبة أردوغان ثم عناده هو اقتناعه برغبة الأميركيين في توريطه بمستنقعات تنظيم «داعش» بلا أي مقابل… باستثناء متطلبات حماية أمن تركيا من خطط التنظيم وأخطاره بعدما وصل مقاتلوه إلى حدودها. وفيما يشتبه الأكراد بتواطؤٍ ما بين «داعش» وتركيا، تشتبه أنقرة بتواطؤ أميركي أشعل فتيل الغضب داخل جمهورية أردوغان، فأفلت في الشارع.

يريد الرئيس التركي إبعاد «داعش» من الحدود وعين العرب بتدخُّل بري للتحالف، وتريد واشنطن ان يتولى أردوغان المهمة، أي ابتلاع كرة النار أو ما قد يعتبره فخاً، لأن الخروج من مستنقع الحروب في سورية أصعب بكثير من الانزلاق إليه. وقبل عين العرب، تراقب طهران أنقرة بعين الريبة، فيما ينتشر مئات من الخبراء الروس والإيرانيين في حلب، تحسُّباً لأي تدخل تركي، بل تذهب معلومات إلى حد تأكيد إنذار إيراني وُجِّه إلى أنقرة بالامتناع عن اختراق الحدود السورية، أو مواجهة «عواقب» تدخُّل عسكري مضاد.

ولعل تحذير رئيس مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني علي لاريجاني من إغفال «التحركات التركية الخطرة» يطلق العنان لذروة الصراع بين طهران وأنقرة الذي بدأ صامتاً في العراق وتحوّل صاخباً في سورية، من بوابة عين العرب، وعلى حساب مصالحهم.

ضغوط من واشنطن والغرب، ضغوط إيرانية وأخرى من الأمم المتحدة، كلها تحشر اردوغان بين فكي كمّاشة قتال «داعش» على الأرض، وضبط الشارع وغليانه في تركيا، حيث الغالبية من عشرة ملايين كردي على الأقل، لن تكتفي بالتنديد بالتفرّج على المذبحة.

الخيبة من الأميركيين صدمة، علماً أن الرئيس التركي أدهش أوباما إذ ظن الأخير التفويض البرلماني لحكومة أحمد داود أوغلو بمثابة شارة خضراء للجيش التركي، لكي يستعد للقتال تحت راية التحالف… على الأرض. استمرأ أردوغان عض الأصابع مع واشنطن، فإذا بالتحذيرات الإيرانية تكرِّس لديه مزيداً من الارتياب بالأهداف الأميركية. هو لا يراهن بالطبع على تبديل الرئيس الأميركي خطط الحرب، أو مسار الضربات الجوية التي تحيّد ما بقي من قوة عسكرية للنظام السوري.

عين على واشنطن وأخرى على طهران، وبينهما مصير عين العرب… كل الضغوط تركت أردوغان في بداية عهده المنتصر في الداخل، أمام خيارين: قتال تنظيم «الدولة الإسلامية» وجهاً لوجه، وراء الحدود، أو قتال شوارع في جمهورية «العدالة والتنمية» مع الذين يصطادون في ماء «داعش» العَكِر.

+ -
.