إسرائيل تعود إلى سياسة العقاب الجماعي

رفعت أربعة هجمات فردية نفذها فلسطينيون من منطقة الخليل المحتلة ضد مستوطنين خلال يوم واحد وأسفرت عن قتل اثنين، درجة سخونة الأجواء في أوساط المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة وداخل الحكومة الأمنية المصغرة، ليقرر الجيش بتعليمات من وزير الدفاع الجديد أفيغدور ليبرمان العودة إلى أسلوب العقاب الجماعي بفرض طوق أمني على أكثر من 700 ألف فلسطيني في محافظة الخليل وسحب آلاف تراخيص العمل داخل إسرائيل، خصوصاً لسكان قرية بني نعيم (2400 تصريح) التي خرج منها منفذ عملية قتل الحاخام ميحائيل مارك تشمل جميع أفراد حمولة منفذ العملية وليس أقاربه فقط. وكان الجيش عزز فور قتل الحاخام مارك الجمعة قواته في منطقة الخليل بكتيبتين إضافيتين بهدف تحسين الشعور بالأمان لدى المستوطنين الذين اتهموا الحكومة والجيش بالفشل في تأمينه.

وتسابق عدد من وزراء الحكومة في شن حرب على شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك» بداعي أن «يديها ملطختان بدماء إسرائيليين» لأنها لم تمنع التحريض على إسرائيل، بحسب وزير الأمن الداخلي يغآل أردان، فيما اقترح زعيم المستوطنين الوزير نفتالي بينيت قطع الإنترنت عن منطقة الخليل لمنع نشر فيديوات تحريضية، ووقف ما وصفه بـ»الإرهاب الوبائي».

غير أن شركة «فايسبوك» أصدرت بياناً باللغة العبرية أكد أنها تعمل «بانتظام مع الأجهزة الأمنية وأصحاب القرارات السياسية في جميع دول العالم، بما في ذلك إسرائيل، للتحقق من أن الناس يراعون الاستخدام الآمن لشبكة فايسبوك».

قرارات الحكومة

في هذه الأثناء، قال وزير الطاقة يوفال شطاينتس للإذاعة العامة أمس إن الحكومة الأمنية المصغرة (كابينيت) التي عقدت اجتماعاً طارئاً مساء السبت «اتخذت قرارات أخرى مهمة جداً لمحاربة الإرهاب تم تطبيق بعضها على الأرض، مثل التحقيق مع عائلات منفذي الهجمات في ما إذا حرضوا المنفذين في السنوات الأخيرة، وذلك بهدف ردع آخرين عن تنفيذ هجمات مماثلة». وأضاف: «يجب أن يدرك سكان القرى التي يخرج منها منفذو هجمات أنهم سيدفعون الثمن جميعاً».

وأشارت تقارير صحافية إلى خلافات شديدة وقعت خلال اجتماع الحكومة المصغرة بين ليبرمان وبينيت على خلفية مطالبة الأخير بعقوبات أشد صرامة «تستعيد الردع للجيش». وأصدر ليبرمان تعليماته خلال الاجتماع لقادة الجيش بعدم الرد على استفسارات بينيت الذي اتهم الحكومة بأن القرارات التي تتخذها ليست سوى تكرار قرارات سابقة، مثل بناء 42 وحدة سكنية استيطانية جديدة في مستوطنة «كريات أربع»، أو العودة إلى العقاب الجماعي وتشديد الحصار على الفلسطينيين كما حصل قبل عامين، أو خصم مبالغ من العائدات الضريبية المستحقة للسلطة الفلسطينية، كما قرر رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو قبل بدء الاجتماع، أو هدم منازل منفذي العمليات، أو تشديد الحملة على المباني غير المرخصة بهدف هدمها. وطالب بينيت الحكومة باتخاذ «خطوات جديدة لمواجهة إرهاب من نوع جديد، إذ لا يعقل أن تحتفل عائلات المخربين وتحصل على امتيازات مالية من السلطة الفلسطينية». وانتقد وزراء آخرون أسلوب بينيت وتصريحاته لوسائل الإعلام في ما يجب فعله قبل انعقاد اجتماع الحكومة، ورأوا فيها محاولة شعبوية لكسب أصوات اليمين المتشدد.

من جهته، اقترح ليبرمان إقامة مدفن خاص لجثث المنفذين بدل إعادتها لدفنها في بلداتهم. كما طلب إعادة بحث فكرة ترحيل عائلات المنفذين إلى الخارج.

واعتبرت الزعيمة السابقة لحزب «العمل» المعارض شيلي يحيموفتش قرارات الحكومة «شعبوية» هدفها امتصاص غضب اليمين والمستوطنين وإرضاؤهم، «لكنها وصفة لاستدعاء مزيد من الهجمات ومواصلة سفك الدماء». وتابعت أن المطلوب هو جدول أعمال سياسي للحكومة، «لكن نتانياهو يرفضه ويبقي على الوضع الدامي».

وكتب المعلق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل أن نجاح الهجمات الأخيرة، خصوصاً تسلل فلسطيني إلى مستوطنة «كريات أربع» وقتل فتاة «بات نموذجاً يحتذى»، مشيراً إلى صلة القرابة بين منفذي آخر ثلاث عمليات. وأشار إلى أن فرض الطوق الأمني على محافظة كاملة يعتبر خطوة متشددة تعكس بوناً بين موقف الجيش الذي تفادى منذ بدء الموجة الحالية من الهجمات الفردية قبل تسعة أشهر، وبتأييد من وزير الدفاع السابق موشيه يعالون، العقاب الجماعي، وبين المستوى السياسي الذي يبحث عن خطوات أشد صرامة، مع تولي ليبرمان منصب وزير الدفاع. وأضاف أن الجيش فضل في عهد يعالون تعزيز قواته في الضفة وتوسيع حملة الاعتقالات، وتحسين مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي، وتعزيز التنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتمييز بين «مخربين» وغالبية السكان المدنيين، ومنح 150 ألفاً منهم فرصة العمل في إسرائيل والمستوطنات.

وكتب زميله أليكس فيشمان في «يديعوت أحرونوت» أنه على رغم تشدد ليبرمان، إلا أنه يَحْذَر تدهور الأوضاع على الجبهات المختلفة، و»عليه تبقى الخطوات التي اتخذت منضبطة طالما أن الهجمات لا تعكس حالة عامة في الضفة». وأضاف أن الحكومة الأمنية المصغرة اجتمعت لاتخاذ قرارات دراماتيكية «بهدف امتصاص غضب المستوطنين وفي الوقت نفسه لجم أفكار وفانتازيا وزراء تكسر كل الأواني». وزاد أن ليبرمان يحاول الالتفاف على الرئيس محمود عباس (أبو مازن) من خلال حوار مع شخصيات فلسطينية قيادية، لكنه ليس معنياً بانهيار السلطة لإدراكه هو أيضاً أن الانهيار سيأتي بفوضى عارمة ستتكفل إسرائيل مواجهتها. وأشار المعلق إلى أن موقف الجيش وجهاز الأمن الداخلي «شاباك» ما زال يقضي بأن تشديد الإجراءات يضر بالتنسيق الأمني مع الأجهزة الفلسطينية، وأنه ثبت في الماضي أنه لا يردع.

+ -
.