أعلن مهندسون بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية “سيرن” أنه أعيد تشغيل مصادم الهدرون الكبير ونفقه الذي يصل طوله إلى 27 كيلومتر بعد إغلاق دام عامين للعمل على رفع كفاءة الآلة العملاقة وصيانتها وتحديثها.
تنطلق حزم جسيمات البروتون حاليا داخل أنبوبيهما على طول الطريق حول المصادم في كلا الاتجاهين بسرعة تقل قليلا عن سرعة الضوء.
ولن تبدأ عمليات التصادم الفعلية قبل شهر على الأقل، لكنها ستجرى باستخدام ضعف الطاقة التي وصلتها في التشغيل الأول.
ويأمل العلماء في رؤية “فيزياء جديدة” تذهب الى مدى ابعد من النموذج المعياري.
وقال رولف هوير، مدير عام “سيرن” المعنية بتشغيل المصادم، في كلمة للمهندسين والعلماء بالمختبر :”أعبر عن خالص التهانئ. شكرا جزيلا للجميع، الآن بدأ العمل الشاق.”
وقال فريدريك بوردري، مدير “سيرن” لأجهزة التعجيل والتكنولوجيا :”بعد عامين من الجهد أصبح مصادم الهدرون الكبير في أفضل حال، لكن الخطوة الأهم ستكون عندما نضاعف طاقة الحزم لتسجيل مستويات قياسية جديدة.”
وتجري عملية دفع البروتونات بطاقة منخفضة نسبيا كي تبدأ عملية التصادم، لكن المهندسين يأملون في زيادة طاقة الحزم على مدى الأشهر المقبلة كي تصل إلى 13 تريليون إليكتروفولت، وهو ضعف عملية التشغيل الأولى للمصادم.
وبدأ المهندسون بعد الساعة الثامنة والنصف صباحا بتوقيت غرينتش دفع حزم البروتونات إلى كل قسم من أقسام الدائرة الهائلة، حزمة تلو الأخرى، ثم تبعها حزمة ثانية بالتوازي.
واكتشف فريق التجربة بالفعل “بقعا” من الجسيمات، وقد حدث ذلك عندما ضربت البروتونات الشاردة واحدا من الحواجز التي تستخدم في عملية الحفاظ على مسار الحزم.
وقال هوير :”شئ رائع أن نرى سير الأمور على أكمل وجه بعد عامين وبعد هذا الإصلاح الشامل للمصادم.”
وأضاف :”أنا سعيد للغاية وكذا الجميع في مركز مراقبة سيرن، وأيضا الزملاء في مجتمع فيزياء الطاقة العالية.”
تساؤلات
ويشعر علماء الفيزياء بإحباط من النموذج المعياري الراهن لفيزياء الجسيمات، والذي يصف 17 جسيما غير ذري، من بينها 12 من وحدات بناء المادة و5 من “حاملات القوة” – وآخرها جسيمات هيغز بوزون التي اكتشفها مؤخرا مصادم الهدرون العملاق عام 2012.
ومن أجل تفسير العديد من الخصائص المحيرة للكون، اقترح العلماء أشياء خارج نطاق النموذج المعياري، لكنها لم تكتشف بشكل مباشر بعد.
ويشمل ذلك الطاقة المظلمة، والقوة السائدة المقترحة التي تعلل اتساع الكون على نحو أسرع، والمادة المظلمة – أو “الشبكة” التي تضم جميع المادة المرئية، وإمكانية تفسير سبب دوران المجرات على نحو أسرع بكثير مما ينبغي اعتمادا على ما نرصده.
وهناك نظرية تدعى التناظر الفائق تفترض وجود جسيمات إضافية، غير مرئية، ربما تملأ بعض الفجوات. لكن لم تصل أي تجربة بعد، ولا مصادم الهدرون الكبير، إلى دليل يشير إلى أي شئ “تناظري فائق”.
تمهيد السبيل
وتولد عمليات التصادم الناجمة من مصادم الهدرون الكبير درجات حرارة لم ترصد من قبل منذ حدوث الانفجار العظيم أو “البيغ بانغ”، وذلك بعد وضع المادة في حالات غير مسبوقة. ويأمل علماء الفيزياء في التوصل إلى شئ غير متوقع يجيب عن بعض التساؤلات.
وقد يحتوي الركام الناتج من عمليات التصادم المهمة والصغيرة على جسيمات جديدة، أو فجوات مهمة تكشف عن وجود مادة مظلمة أو حتى أبعاد غير مرئية.
لكننا في البداية نحتاج إلى عمليات تصادم، وهي مقررة في شهر مايو/أيار المقبل، نحتاج بعدها إلى سيل مستمر من البيانات التي من شأنها أن تمهد السبيل أمام علماء الفيزياء في شتى أرجاء العالم، كي تبدأ بعدها جهود التحليل الكبرى.
وحتى عندما تبدأ عمليات تدفق النتائج، لا ينبغي توقع تحقيق اختراقة، وهو ما أكده ستيفين غولدفارب الذي يعمل في تجربة أطلس.
وقال “اعتقدنا سابقا أننا ربما اكتشفنا جسيمات هيغز، وربما اكتشفنا التناظر الفائق. والعديد من الأشياء التي نبحث عنها حاليا، سنبحث عنها بعد ذلك.”
وأضاف “سيكون هذا هو الوضع بالفعل خلال السنوات القادمة.”