الحلقة المفقودة بين اّلطالب  والبيت والمدرسة

بقلم: منى أبو جبل

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

في الزّوايا الخفيّة من كلّ صفّ، هناك طالب لا يُرى.. يجلس بجسدٍ حاضر وروحٍ تائهة،  بين بيتٍ يُطالبه بالكمال ومدرسةٍ لا تسمع صوته إلا حين يُخطئ.

تبدأ الحكاية من بيتٍ يحب بقلق، يريد لطفله أن يكون الأوّل، والأفضل، والأكمل.. لكنّه لا يسأل: هل أنت  سعيد؟ هل انت مستعد؟ هل أنت مُدرك ماذا ينتظرك في المدرسة؟ هل أنت مُدرك تمامًا كم أنت مهم ولك حضورك ووجودك؟

 يغيب الحوار، ويحضر الضّغط، فيتعلّم الطّفل أن الحبّ مشروط، وأنّ الخطأ ضعف، وأنّ التّعبير عن مشاعره شيء لا يُرحَّب به. يُصبح قلقًا ومشوّش التّفكير.

يذهب الطّالب  إلى المدرسة، يجد معلمًا مُثقلًا بالمناهج، مضغوطًا بالوقت، يحاول أن يزرع في كلّ طالب بذرة، لكن لا وقت ليسأل: ما نوع هذه التّربة؟ وما الذي تحتاجه هذه التّربة كي تُزهر؟

في الطّريق بين البيت والمدرسة، تضيع “الإنسانية” أحيانًا، وننسى أنّ هذا الطّالب ليس رقمًا، بل كائنًا يبحث عن من يفهمه لا من يحاكمه.

أحيانًا،  يسمح الأهل لأبنائهم، دون أن يشعروا، بالتقليل من  شأن المعلم، حين ينتقدونه أمامهم، حين يُبرّرون غيابهم لسبب لا يُقارن بقيمة التّعليم، حين يجعلون المدرسة خيارًا قابلًا للتّأجيل، فينشأ الطّالب وهو يرى أنّ المعلم لا قيمة له، وأنّ الدّرس يُستبدل بمزاج، وأنّ التّعليم ليس أولويّة بل عبء. لكن الحقيقة التي لا يجب أن لا تُغيب عن الفكر، أنّ المعلم ليس مجرد مهنة، هو ضميرحيّ، وصوت داعم ، وصبرٌ لا يُقاس. حين يشعر الطّالب أنّ البيت والمعلم في صراع، يستخدم الفجوة لصالحه.. يبرّر، يهرب، يتذمّر،  يُجامل هنا ويشتكي هناك، وحين يشعر أنّ الطّرفين ينسجمان، يرتاح، ينضبط، ويبدأ في بناء ثقته بنفسه.

 البيت يزرع والمعلم يسقي، والطّالب هو البذرة التي تستحق أن تُمنَح بيئة آمنة لتنمو تمامًا، وكأنّ ميزان الأولويّات انقلب.

في زمنٍ ما، كانت المدرسة تُقدَّس وكان الأهل يعلّمون أبناءهم أنّ اليوم الدّراسيّ ليس خيارًا بل التزامًا.

أمّا اليوم، فصار الطّفل يقرّر متى يرتاح ومتى يذهب، وصار الأهل يُلبّون الطّلب بلا نقاش، حتى أصبحت المدرسة محطةً اختيارية، والتّعليم مجرّد جدول يمكن تأجيله.

جيل  لا يرى للانضباط والالتزام   قيمة، ولا يدرك أنّ الالتزام هو أساس النّجاح، لأنّ أحدًا لم يعلّمه أنّ الحضور ليس مجرّد وجود جسديّ، بل احترامٌ لذاته، ولمستقبله، ولمعلمه.

في عالمٍ يتغيّر بسرعة، تبقى بعض القيّم ثابتة، وأهمّها:

أنّ المدرسة ليست خيارًا بل مسؤوليّة.

ولكن، في السّنوات الأخيرة بدأت ظاهرة مثيرة للقلق تظهر بوضوح:

الطّالب هو من يقرّر متى يذهب إلى المدرسة، ومتى “يأخذ استراحة”، ويجد من حوله من يبرّر له، يدعمه، ويعتبر التّعليم أمرًا قابلًا للتّفاوض.

عندما يُغيَّب الطّالب لأيّ سبب بسيط: “تعبان شوي”، “ما له خلق”، “راح نطلع مشوار”، وسنسافر ( أثناء الدّوام ) نريد تصريحًا من الإدارة ، عندما يرى أنّ الغياب لا يُحاسَب، ولا يُناقش، عندما يسمع نقدًا للمدرسة والمعلم في بيته، فيفقد احترامه لهما. هنا يفقد الطّالب الشّعور بقيمة الوقت والانضباط، تتراكم عليه الدّروس وتتراجع مهاراته. يُصبح التّعليم آخر أولوياته، والمستقبل غامض.

أنتم أيّها الأهل  النّموذج الأوّل، والصّوت الأعلى. حين تضعون التّعليم في مكانه الصّحيح،

وحين تجعلون المدرسة جزءًا من قدسيّة اليوم، يبني أبناؤكم في دواخلهم معنى الالتزام والانضباط، ويفهمون أنّ الحضور ليس فقط إلى المدرسة، بل إلى الحياة.

فلتكن العطلة بقرار المدرسة، وليبقَ الغياب للضرورة، وليكن الحضور درسًا في المسؤولية، قبل أن يكون في المقررات في كلّ مدرسة.

 هناك من يُشبه القلب وهو المديرالذي عليه أن  يُضبط الإيقاع، والمعلمون الذين يحملون الرسالة   في زرع الوعيّ والقدوة والانتماء.

حين يرى الطّالب  معلّمه حاضرًا  رغم تعبه، ومديره حازمًا واثقًا بقراراته قلقًا على مستقبلهم ،

يتعلّم أنّ الالتزام ليس أمر يُفرض، بل سلوك يُحتذى.على المدير أن يكون صوتًا واضحًا: يرسم السّياسة، يحمي قيمة التّعليم، ويتواصل بشفافيّة مع الأهل.

وعلى المعلّم أن يكون حضوره واجب ،  يُشعر به الطّالب بالأمان،لا يكتفي برصد الغياب، بل يسأل: “لماذا؟ ماذا وراء هذا  الغياب؟”

المدرسة التي تُدار بالوعي تصنع جيلًا يعرف أنّ مستقبله يبدأ من مقعد الصّف.

منى أو جبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.