أصبحت الأزمة السورية مأساة إنسانية كبرى في هذا الزمن، بما جرحت من أهلها، وهي انعكست على محيطها العربي ووصولاً الى أقصى بقع الأرض. من البديهي القول، إن الدراما في شكلها المحلي و «المشترك» لم تسلم أيضاً، ما فتح الباب واسعاً أمام طروحات جادة وسط أهلها، وأحياناً جدالات، حول أسباب العلل، وحجم المشكلات، والحلول.
أعربت أخيراً الممثلة السورية سلاف فواخرجي عن خطر يلامس موت هذه الصناعة في بلدها، وتسأل بالتزامن مع عودتها الى الدراما المصرية عبر «هجرة الصعايدة» (تأليف ناصر عبدالرحمن وإخراج عادل أديب) وبعد غياب سنوات: «هل يحق لي أن أقول إننا نشهد الأنفاس الأخيرة للدراما السورية؟». واستدركت مخففةً من سوداوية السؤال الأول: «أعلم أن كلامي قد يكون قاسياً أو حاداً، وبعدما كتبت ما هو أبعد من ذلك، استبدلت ما كتبت في سؤالي السابق: «هل الدراما السورية في غرفة العناية المشددة؟ وهل الأطباء المختصون غير مختصين؟ أم أن أدوات الجراحة ملوثة؟ أم أن المريض (الدراما) ليس سورياً؟ شو عم يصير؟ وين المشكلة؟». تساءلت مجازياً عن مدى سوء الحال، ومدى كفاءة أصحاب القرار في الدراما التلفزيونية، ونجاعة الحلول والإجراءات التي يقدمونها، وهوية المنتَج الفني.
أتى كلام فواخرجي بعد أيام من عاصفة أثارها نقيب الفنّانين والنائب في مجلس الشعب السوري زهير رمضان، اذ استنكر عرض أعمال بممثلين «معارضين» على الشاشات المحلية، وكان شطب في وقت سابق اسماءهم من النقابة. واتهم مؤسسة الانتاج الإذاعي والتلفزيوني بإدارة ديانا جبّور، بـ «سحق كل فنان سوري بقي في سورية» لحساب فنانين يقيمون خارجها، داعياً إلى إقفال المؤسسة لأنها «خسرت حتى الآن 600 مليون ليرة» (نحو مليون ومئتي الف دولار) من دون أن تستطيع تسويق أعمالها في الخارج. وأضاف أنه «تم استقدام فنانين وفنانات من خارج سورية للعمل في أحد المسلسلات بأجور تتراوح بين 15 مليون ليرة (حوالى 30 ألف دولار) و20 مليون ليرة سورية وعندما انتهوا من التصوير ذهبوا للإقامة في بيروت». وردت المؤسسة ببيان صحافي أكّدت فيه أن حجم الخسارة رقم مبالغ به، وأن أجور الفنّانين الذين تعاقدت معهم ظلّت تحت سقف التعرفة المعتمدة.
بعيداً من «حسابات النفوذ»، عانت الدراما السوريّة في السنوات الأخيرة من مشكلات في بنيتها التي تصدعت نتيجة الحرب، بدءاً بصعوبات التصوير، وهجرة الكثير من ابنائها، وتغليب الاصطفاف والولاء السياسي ومصالح أخرى في كثير من الأحيان على الكفاءة او الموضوع الفنيّ، فجلس ممثلون في منازلهم واشتغل مؤدون، وصولاً الى عقبات التسويق، أي المشكلة الأبرز، وربما المس بهويتها أحياناً التي طالما تميزت بمقاربات استشرافية وحقيقية للشارع السوري من عشوائياته الى أبراجه، الأمر الذي يثبته تلقف الجمهور المحلي مسلسل «الندم» (حسن سامي يوسف والليث حجّو) في الموسم الماضي. فكيف تغيرت الدراما باستعادة مشاهدها بعد دخولها «مونتاج الحرب» وكيف اصطدمت بالعرض النهائي، التسويق؟
قدّمت في كل موسم نحو خمسة أعمال من طراز جيد ومميز، ما يدفع الى عدم التشاؤم، بخاصة أنها تدخل بإنتاجات قوية هذا الموسم أيضاً. استمر الكم من دون تراجع يذكر، مع ايجابية ذلك بتشغيل كثيرين في ظروف معيشية صعبة، (من دون التغاضي عن التغير بسعر صرف الدولار الذي ينهش التقنيين) ولكن طفت على السطح ما اصطلح على تسميتها بـ «المسلسلات الصينية» («سليمو وحريمو» مثالاً). ودخلت الحرب في شكل طبيعي النصوص، كخلفيات وكأحداث مباشرة، وكان العائق الأبرز أن غالبية الشاشات العربية تجنبت هذه التيمة لحساباتها الخاصة، كما انها بمعظمها حملت الرأي الواحد بين السطور، الى درجة أن البيانات الصحافية الصادرة عن بعض المسلسلات شابهت أحياناً بيانات صادرة عن جهات عسكرية حكومية، في ما يزيد الطين بلّة!
وابتعد كثيرون من الممثلين بعدما جذبتهم الدراما الهجينة التي سمّيت «مشتركة» كـ «إجراء موقت» للعيش والاستمرارية، واستخدمتهم الدراما اللبنانية (شاكرةً) كجسر «تسويقي» للوصول الى الجمهور العربي، لكن الثمن الآن ظهر منذ الموسم الماضي بانعكاس الآية! يكشف أصحاب شركات انتاج سورية أن المحطات اللبنانية تفرض عليهم وجود ممثلين لبنانيين من أجل شراء أعمالهم، فتحول الممثل اللبناني الى جسر عبور للمنتج السوري الى لبنان. ولكثيرين من هؤلاء مستحقات في ذمم المحطات اللبنانية، فيما محطات اخرى لا تشتري العمل الجديد الّا بخصم الدين القديم!
أما الحل، فربما يكمن في دعوة الفنّان أيمن زيدان بعد الحملة على جبّور: «آن الأوان لأن تتغير صيغ التعاطي والخروج الى مساحات من الحوار الجدي تكون الغاية منها تطوير الدراما السورية في ظل التحديات التي فرضتها الحرب، إن من يعتقد أن ممارسة الحق الديموقراطي بالدعوة لإقصاء الآخر من دون مرتكزات ومبررات موضوعية، يكون منحازاً للفوضى، نحن بأشد الحاجة لفتح باب للحوار الحقيقي». وأيضاً في سلوك يحمل قيّم الفن أولاً، عندما اتصل بزميله الفنّان جمال سليمان مهنئاً إياه على دوره في «العرّاب» (رافي وهبي وحاتم علي) على رغم التباين السياسي بينهما.