على عكس غالبية الأعمال الدرامية السورية التي لم تتطرّق الى الأزمة في شكل مباشر الموسم الماضي، يعلن الموسم الحالي «نضجاً درامياً ورقابياً»، من ناحية المسلسلات المقاربة للأزمة من حدّ المباشرة إلى حدّ الملامسة، مروراً بـ «تكتيك الإسقاط»، ومن زوايا متعدّدة، إنسانية وسياسية، سواء كانت الأعمال اجتماعية أو كوميدية أو «شامية»، حملت وجهات نظر «الموالاة والمعارضة» والشعب السوري، إضافة إلى فئات أخرى قد لا نجد تسمية لها بل لا نعرفها.
ويلامس عدد الأعمال السورية التلفزيونية الثلاثين في «رمضان 2015». وهو رقم قريب مما أنجز في كل سنة من الأزمة، في دلالة على صمود الصناعة الدرامية، بغضّ النظر عن المستوى الذي ستبيّنه الأيام المقبلة، ووفق ما كتب الفنان السوري أيمن زيدان مبدياً قلقه قبل أيام قليلة في صفحته الخاصة على موقع «فايسبوك»: «الشهر الفضيل على الأبواب… سيذوب الثلج ويبان المرج». وهذا الصمود يدلّ عليه أيضاً تصوير أكثر من ثلثي الأعمال في الداخل السوري، على رغم كل الظروف الخطرة.
ولكن يمكن بالنظر إلى الخريطة الدرامية، قراءة مؤشرات، أبرزها أن منسوب تناول الأزمة مرتفع قياساً الى ما سبق. وتحضر «المأساة السورية» سواء بأحداثها أو انعكاساتها أو أسبابها، في نحو نصف الأعمال التي ستعرض، ولا سيما في «امرأة من رماد» و «نادي الشرق» و «سفينة نوح» و «غداً نلتقي» و «بانتظار الياسمين» و «في ظروف غامضة» و «عناية مشدّدة». وفي هذا السياق، يبدو لافتاً أن الأعمال المصوّرة في الداخل السوري، تقارب الأزمة من وجهة نظر إنسانية في شكل عام مثل «شهر زمان»، بينما الأعمال التي صوّرت في الخارج تمتعت بمستوى سياسي أعلى، بخاصة «غداً نلتقي» و «وجوه وأماكن» الذي فسح المجال لعودة عدد من الممثلين السوريين إلى الشاشة مثل يارا صبري، فشكّل «تجمعاً» لفنانين معارضين حُرموا أرض الوطن، كـ «شيخ المخرجين» هيثم حقي، والممثلين: جمال سليمان وعبدالحكيم قطيفان إلى جانب صبري. ولكن على رغم ذلك، لا يبدو أن هناك عملاً قارب الأزمة وجهاً لوجه كالجزء الأخير من «الولادة من الخاصرة» لسامر رضوان.
ولأن الدراما صناعة، خاضعة لعرض وطلب إلى جانب الشروط الفنية «المفترضة»، لا يمكن نقدها من دون الناحية الإنتاجية. خلال سنوات الأزمة ومع اقتراب كل «موسم رمضاني»، كان يكثر الحديث عن «مقاطعة واستنسابية خليجية» في ما يختصّ بالإنتاج الدرامي السوري. ولكن نظرة بسيطة إلى توزّع عرض المسلسلات السورية، تظهر أن أكثر من ثلثها موجودة على الشاشات الخليجية، إضافة إلى تصوير العديد منها أو من مشاهدها في دول خليجية ساهمت شركاتها أيضاً، في إنتاج أعمال عربية قامت بجزء كبير منها على «الكادر» السوري فنياً وتقنياً، ما يعني بوضوح أن سوق الدراما السورية محيّدة عن المعركة الدائرة. إضافة إلى ذلك، تستمر الأعمال السورية على مختلف الشاشات العربية، كالأردن والجزائر وتونس، لا سيما لبنان الذي كانت له حصة الأسد بعرض قنواته نحو نصف الإنتاج.
وتنعكس الأزمة السورية على دراما أبنائها أيضاً، من خلال تدنّي نسبة الأعمال الكوميدية»، من جهة الكمية والنوعية. وفي هذا الإطار، يبدو أن الجزء الثاني من «دنيا»، لأمل عرفة وزهير قنوع، سيحمل وحيداً لواء الكوميديا السورية كعمل «صف أول» من دون منافسة حقيقية، لا سيما في غياب نص مصوّر للكاتب ممدوح حمادة هذا الموسم، وبعدما فقدت لوحات الجزء الأخير من «بقعة ضوء» أبرز نجومها وصانعي هذا المشروع، النجمين باسم ياخور وأيمن رضا، غير الراضيين عن المستوى الذي وصل إليه العمل. وينضمّ إلى لائحة الكوميديا بعض الأعمال «الخفيفة»، كـ «فارس وخمس عوانس» و «فتنة زمانها» وغيرهما.
أما «براءة الاختراع» السورية، مسلسلات «البيئة الشامية»، فتستمر معتمدة في شكل كبير على الأجزاء الجديدة لأعمال سابقة، مثل «باب الحارة 7» و «الغربال 2» و «طوق البنات 2» (كيد النساء). وما زالت ترزح تحت الخطوط النمطية مثل «زعامة الحارة» و «الثأر»، على رغم تناولها خطوطاً لها إسقاطات معاصرة كالحب والزواج من صاحب ديانة أخرى أو تعايش الطوائف في ما بينها مثلاً. ويبرز في هذا الجانب، مسلسل «حرائر» للمخرج باسل الخطيب، مخترقاً الصورة النمطية عن «حريم الشام»، إذ هو العمل الأول الذي يحكي قصص نساء سوريات تركن أثراً في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في سورية مثل نازك العابد وماري عجمي، في زمن درامي يمتد بين عامي 1915 و1920، متناولاً واقع المرأة السورية حينها وكفاحها ضد عادات مجحفة.
إلى ذلك، يغيب عن الدراما السورية «الخالصة» عدد من أبرز نجومها الذين اكتفوا بالأعمال المشتركة أو العربية، مثل عابد فهد وقصي خولي وقيس الشيخ نجيب. وذلك من دون غضّ النظر عن «التباس صفة المشترك» في هذه الأعمال التي تقوم على كادر تقني سوري بالكامل تقريباً، ويؤدي فيها البطولات الأولى والأساسية ممثلون سوريون، وهي من إخراج وكتابة سوريّين، وإن كان الإنتاج المادي من جنسية أخرى، ولبنانية في حالة «تشيللو « من إعداد نجيب نصير وإخراج سامر البرقاوي، و «بنت الشهبندر» من كتابة هوزان عكّو وإخراج سيف الدين السبيعي، و «24 قيراط» من كتابة ريم حنّا وإخراج الليث حجّو.
ولعّل من أبرز سمات بيئة الدراما السورية هذا الموسم، عقد بعض المصالحات الشكلية والأدبية، غير الكافية ولكن الإيجابية، داخل الوسط الفني، فخفّ الحديث عن «نجوم الأزمة» و «عتب نجوم الداخل على نجوم الخارج». وتتمثّل السمة الأخرى بعدم ملاحظة «الحصان الرابح» قبل العرض بسبب تميّزه أو تمتّعه بهويته الخاصة في السباق، مثلما فعل «قلم حمرة» في الموسم الماضي. وقد تعوّض هذا الأمر سباقات جانبية، كتنافس «العرابين» بين المثنى صبح ونص حازم سليمان من جهة، وحاتم علي ونص رافي وهبة من جهة أخرى.
وفي وقت شكت الممثلة نيكول كيدمان الحاصلة على الأوسكار، من عدم توازن الفرص في السينما بين الرجال والنساء، يُحسب للدراما السورية، اعتمادها في نحو نصف عدد الأعمال المنتجة، على البطولة النسائية الأولى والحبكة الدرامية أو التسمية التي تدور حولها، مثل «امرأة من رماد» و «في ظروف غامضة» و «طوق البنات» و «دنيا» وسواها.