الرذاذ ينشر الأمراض … رشح وإنفلونزا وحصبة وسلّ

حتى تحدث العدوى لا بد من توافر ثلاثة عناصر: شخص مريض أو حامل للمايكروب، وشخص سليم مستعد لاستقبال المايكروب، ووسط ناقل للمايكروب.

وتنتقل المايكروبات من شخص إلى آخر إما في شكل غير مباشر باستخدام أدوات وألبسة المصاب، وإما من طريق وسيط ناقل، مثل الذباب والبعوض وغيرها من الحشرات سواء في شكل مباشر من خلال اللمس أم من خلال التعرض لمفرزات المريض، مثل البراز واللعاب والرذاذ.

ويعتبر الرذاذ المتناثر عبر الأثير، أثناء السعال أو العطاس أو الضحك، إحدى الوســــائل المبـــاشرة لنقل الأمراض المعدية، خصــوصاً في الأماكن السيئة التهوئة. وأهم الأمراض التي تنتقل بواسطة الرذاذ هي:

– الرشح، وينتقل هذا المرض الشديد العدوى من طريق استنشاق قطيرات الرذاذ الملوثة بفيروس الرشح. كما يمكن التقاط عدوى الرشح من طريق مصافحة الشخص المصاب بالرشح أو باستعمال أدواته الشخصية، وأثبتت اختبارات أن اللمس المباشر والتقبيل هما من أكثر الطرق فاعلية لانتقال فيروسات الرشح. وتظهر عوارض الرشح بعد ثلاثة إلى خمسة أيام من دخول الفيروس إلى الجسم، وأحياناً قد تندلع العوارض بعد فترة 10 ساعات فقط.

– الإنفلونزا، إن استنشاق قطيرات الرذاذ المحملة بفيروس الإنفلونزا هو من أكثر الطرق فاعلية لانتشاره، على عكس الرشح الذي يتغلغل أكثر بواسطة اللمس. وعلى ما يبدو فإن الجو الجاف في الغرف ذات الحرارة المرتفعة يشجع على العدوى، في حين أن الرطوبة تضايق فيروسات الإنفلونزا وتعرقل انتشارها، هذا ما أفادنا به فريق من العلماء الأميركيين من المعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية، الذين توصلوا، بعد سلسلة من التجارب، إلى أن رطوبة الجو بنسبة 40 في المئة وما فوق، تخفض في شكل كبير قدرة هذه الفيروسات على العدوى. وتبلغ فترة حضانة الإنفلونزا من يوم إلى أربعة أيام لتظهر العوارض بعدها، ويمكن للمصابين بالإنفلونزا أن ينقلوا العدوى من اليوم السابق لظهور العوارض وحتى خمسة أيام من إعلان المرض في شكل صريح.

– الحصبة العادية، العامل المسؤول عن نشوء هذا الداء هو فيروس الحصبة، وهو فيروس شديد العدوى للغاية ينتقل من طريق قطيرات اللعاب المتطايرة في الهواء، ويستطيع المصاب بداء الحصبة أن ينقل الفيروس إلى أكثر من 90 في المئة ممن حوله في فترة تتراوح بين أربعة أيام قبل ظهور الاندفاعات الجلدية المميزة للمرض وحتى أربعة أيام بعد ظهورها. ويمكن لقطيرات الرذاذ الحاملة للفيروس أن تتهاوى لتحط رحالها على أسطح الأماكن المجاورة للشخص المصاب، ويبقى الفيروس نشطاً ومعدياً لمدة أربع ساعات، وإذا ما لامست أصابع الشخص تلك الأسطح الملوثة خلال تلك الفترة ومن ثم عمد إلى العبث في فمه أو أنفه فإنه سيصاب بالعدوى حتماً. وتبلغ فترة الحضانة في الحصبة العادية من 10 إلى 15 يوماً تبدأ بعدها العوارض بالظهور.

– الحصبة الألمانية، وهي مرض ناتج من العدوى بفيروس الحصبة الألمانية الشديد العدوى الذي ينتقل بواسطة الرذاذ المتطاير أثناء العطاس أو السعال، وإذا ما أصاب هذا المرض الحامل في الأشهر الأولى من الحمل، فإن عواقبه وخيمة للغاية، لأنه يمكن أن يؤدي إلى قتل الجنين أو إلى ولادة طفل مصاب بتشوهات خلقية. أما فترة الحضانة في الحصبة الألمانية فتتأرجح بين 14 و21 يوماً.

– أبوكعيب (التهاب الغدة النكفية)، وسببه فيروس ينتشر إما مباشرة بواسطة الرذاذ المتطاير من أنف المريض أثناء العطس أو السعال، وإما في شكل غير مباشر من خلال استخدام أدوات المريض الملوثة أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس. ويصبح اللعاب معدياً قبل يومين من انتفاخ الغدة وحتى ثمانية أيام بعد انتفاخها. وتبلغ مدة الحضانة في مرض أبو كعيب من أسبوعين إلى ثلاثة، وفي غالبية الحالات يتم الشفاء من المرض بسهولة ومن دون حدوث مضاعفات، أما في القسم الباقي فقد تحصل بعض المضاعفات، أهمها التهاب الخصية، والتهاب السحايا، والتهاب البانكرياس.

– السعال الديكي، وهو مرض جرثومي شديد العدوى يمكن أن يطاول الجميع إلا أن شريحته المفضلة هي الأطفال دون سن الخامسة. وينتقل المرض بواسطة الرذاذ عبر الفم أو الأنف، وتراوح مدة حضانته من سبعة إلى 10 أيام، ليعطي بعدها عوارض تشبه في البداية عوارض الزكام، لكنه يتطور بعد ذلك لتصبح نوبات السعال فيه أكثر حدة مع مرور الوقت. وفي الحالات الشديدة قد يتسبب السعال الديكي في حدوث مضاعفات تتمثل بذات الرئة، والتقيؤ، ونقص الوزن، وفي حالات نادرة قد يصاب الدماغ وتحدث الوفاة.

– الدفتيريا (الخناق)، وهي مرض حاد شديد العدوى سببها جرثومة اسمها الدفتيريا، ويتميز المرض بتكوين غشاء كاذب في الفم والحلق يسبب صعوبة في التنفس تصل إلى درجة الاختناق، من هنا اسمه. وتنتقل جرثومة الدفتيريا بواسطة الرذاذ المتبعثر من الأنف والفم وأشياء المريض الملوثة. وعندما تنجح الجراثيم في اختراق الجسم تنشب معركة بينها وبين المنظومة الدفاعية تكون الغلبة فيها عادة للجسم، لكن في بعض الأحيان تكون الغلبة للجراثيم فتأخذ عوارض المرض بالظهور تباعاً بعد مكوث الجراثيم في الجسم فترة من يومين إلى ثلاثة.

– السل الرئوي، وهو مرض بكتيري يصيب الرئتين بالدرجة الأولى. وينتشر السل من شخص مريض إلى آخر سليم من طريق الرذاذ الملوث بجراثيم السل، ولا يحتاج الشخص سوى إلى استنشاق القليل من هذه الجراثيم حتى يصاب بالعدوى.

وهناك أمراض أخرى تنتقل بواسطة الرذاذ، مثل شلل الأطفال، وإنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، ومرض سارس(التهاب الرئة اللانمطي)، والتهاب السحايا، وغيرها.

ولعل النقطة المثيرة للاهتمام في هذه الأمراض التي تنتقل بالرذاذ هي الوقاية منها، إما باللقاح إذا كان متوفراً، وإما بالقضاء على المايكروب المسبب، وإما بمنع الميكروب من الانتقال من شخص مصاب إلى آخر سليم قدر المستطاع.

وكي يتم قطع الطريق على العدوى بواسطة الرذاذ يجب اتباع الإرشادات الآتية:

> غسل اليدين بعد مسح الأنف واستخدام الحمام وقبل تناول الطعام وإعداده.

> تنظيف الأسطح في المنزل التي نكون دوماً على تماس معها مثل مقابض المغاسل والأبواب، وحصائر النوم، والوسادات، والمناشف وغيرها.

> استعمال مطهرات اليد الفورية.

> استعمال المناشف الورقية بدلاً من تقاسم المناشف القماشية.

> تجنب أماكن الازدحام، والابتعاد عن مخالطة المصابين بالأمراض المعدية.

أخيراً، إذا كنت مصاباً بمرض معد ينتقل بمخالطة الآخرين فعليك أن تكبح جماح نفسك، فلا تعانق ذويك والآخرين أو تقبلهم، مهما كانت درجة سعادتك برؤيتهم، ولا تنس أيضاً أن تضع يدك على فمك حتى عندما تضحك، أو تغني، فالضحك ينشر رذاذاً قوياً، والغناء ينثر رذاذاً أقوى، خصوصاً إذا كان من نوع الأوبرا!

+ -
.