القصة الكاملة للغذاء على «ناشيونال جيوغرافيك»

يكاد برنامج «كُلْ: قصة الغذاء» الذي تعرضه النسخة الأوروبية لقناة «ناشيونال جيوغرافيك»، أن يجمع بين معظم اتجاهات وأساليب برامج الطعام على التلفزيونات الغربية (وما أكثرها). فهو يحتفل بالطعام، كمنتج يخضع للتجريب اليوم ويقدم في شكل مُثير مُغري، كما تفعل معظم برامج الطبخ على اختلاف تركيباتها.

البرنامج التلفزيوني الجديد يسير أيضاً على منوال البرامج التي تحذر من «الطعام»، بخاصة المواد التي تدخل في تحضيره، وكيف يمكن أن تنقلب إلى عدو قاتل للإنسان. كذلك يقدم، التاريخ الكامل للطعام في الولايات المتحدة، والذي يكاد يُشبه ذلك الخاص بدول أُخْرَى حول العالم.

بدايةً، أطلق طموح البرنامج المُؤلف من ست حلقات، برغبته سرد القصة الكاملة للطعام، الشكوك في قدرته على اختزال قرون كاملة وتقديمها في ساعات تلفزيونية قليلة. سريعاً سيتكشف إن المعالجة السريعة والذكية ستوليّ تفصيلة التاريخ حقها، بخاصة إن القليل فقط تطور في مفاهيم الطعام لقرون طويلة، وإن الأحداث الكبيرة في قصة «طعامنا»، وقع معظمها في القرن العشرين، وحفظ بعضها فوتوغرافياً أو تلفزيونياً، فأول كتاب عن الطبخ صدر في بداية القرن ذاك. والأكل المُعلب، والذي ابتكر بالأساس لأغراض عسكرية، كان في منتصف القرن، والذي شهد بعدها الثورة الهائلة التي نعيشها اليوم، ومنها انتشار الأكل الجاهز، المُجمد، الحلويات والمشروبات الغازية وغيرها.

ستعود الحلقة الأولى من البرنامج، وفي سياق استعاداتها التاريخية لقصة الطعام، إلى قرون سبقت القرن العشرين، فمرت مثلاً على حروب «البهارات» التي عصفت بالقارة الأوروبية وبعدها الولايات المتحدة، للاستحواذ على المادة النادرة وقتها، وكيف أن مملكة هولندا باعت جزيرة مانهاتن (نيويورك) من أجل الحصول على جزيرة أصغر لاحتواء هذه الأخيرة على منتجات «البهارات».

سيكون «اللحــم»، عنــوان الحــلقة الثانية، فهذا المنتج، يكاد يحتل مــوقع الصدارة على مائدة كثير من الدول الغربية، على رغم الإشــــكاليات التي يثيرها إنتــاجه وعــواقب الإكثار منه. يمر البرنامج على التطورات التي حولت اللحم إلى واحد من أهم عناصر المائدة العصرية، وكيف لعبت شــركات عملاقة الدور الحاسم في إغراء المستهلك للاتجاه إلى أكل اللحم في شكل يوميّ.

كذلك تمر الحلقة على تاريخ وجبة «الهامبرغر»، والتي ولدت بالصدفة، لتصبح اليوم إحدى أشهر الأكلات في العالم، هذا إلى جانب تفسيره سر الإقبال على اللّحومات المشويّة، والتي يرجــعها الذين تحدثوا في البرنامج، بأنها تعكس رغبة «الرجل» الفطرية للقنص، والاحتفال بعدها بغنيمته بحرقها، في تقليد «بربري» بجذوره.

يجمع البرنامج مجموعة من أشهر الطباخين، ومن نذروا حياتهم في درس موضوعة «الطعام». كذلك لا يكتفي بالعودة إلى الماضي، إذ يستشرف المستقبل أيضاً، ماراً على مجموعة من التوقعات التي تخصّ طعامنا، منها التجربة الفريدة التي تمتّ في هولندا قبل عامين لإنتاج لحم عبر تقنية الهندسة الوراثية، والتي هي اليوم في مراحلها الأولى فقط.

يبدو البرنامج بمجمله متفائلاً بخصوص مستقبل الغذاء، فبعد فترات سود شاعت فيها الأغذية المليئة بالسكر (هناك حلقة في البرنامج تتخصص في تاريخ استعمال السكر ومضاره في الطعام)، يتجه العالم للاستثمار أكثر في الغذاء الصحيّ، على رغم الصعوبة الكبيرة الكامنة في تغيير العادات الغذائية، كما أَقَرَّ كثر من الذين تحدثوا للبرنامج.

+ -
.