تروي العاصمة المجرية بودابست حكاية مدينتين “بودا”، و”بست”، يقسمهما نهر الدانوب، ولا يعد اسم العاصمة المركب مجرد اسم فقط، بل يحدد أيضا ملامح مختلفة لهويتين ثقافيتين، و نمطي عيش مختلفين.
تقول ويكتوريا سكيبا، وهي كاتبة بولندية الأصل، وصاحبة مدوّنة “بوادبست، ذا سبويلد كوين”، عن جزء واحد من العاصمة المجرية: “الحياة في ‘بست’ سريعة جداً، حيث تجري فيها أكثر الأحداث. وتوجد فيها الكثير من الحانات والمطاعم ومراكز اللقاءات، وفي نفس الوقت، مكاتب العديد من الشركات على ضفة النهر”.
وتضيف قائلة عن الجزء الثاني من المدينة: “أما ‘بودا’ فهي أكثر هدوءا، وتحيطها تلال جميلة. فبإمكانك أن تجد فيها الكثير من المناطق الخضراء، كما إن الهواء فيها أنقى مما في ‘بست’.”
بغضّ النظر عن أي جانب نتحدث، فإن جميع قاطني العاصمة المجرية يفخرون بمدينتهم، رغم ذلك.
“نعشق مدينتنا ونفخر بتاريخها وحضارتها”، حسبما تقول ج. نورا، التي تعمل لدى “مركز بودابست السياحي”. وتضيف: “نحب استكشاف مناطق جديدة في مدينتنا، ولكننا في نفس الوقت نود المحافظة على تراثنا.”
ويُعرف سكان بودابست بمودتهم وارتياحهم للأجانب، وتستقطب الفرص الجديدة في المدينة أعداداً متزايدة من المغتربين إلى المنطقة.
ويقول غابور بيهاري، رئيس تحرير مجلة “بودابست والمجتمع الدولي” الموجهة للمغتربين، وهو في الأصل من لوس أنجليس: “إضافة إلى وجود المهنيين بشكل متوسط، تعتبر بودابست مكاناً مثالياً للمتنقلين العاملين في مجال التقنيات الرقمية، حيث تشهد نبضاً حيوياً جداً للشركات الناشئة”.
وفي الوقت الذي نجد فيه ميلاً لدى كبار السن من سكان المدينة لعدم الاختلاط، فإن الأجيال البالغة والناشئة من المجريين يميلون إلى الانفتاح أكثر، والتودد إلى الآخرين، مما يجعل مدينتهم أكثر ترحيباً بالمغتربين، مما كانت عليه في السابق.
أين تريد أن تعيش؟
يفضل أصحاب العائلات جانب ‘بودا’ من المدينة، بينما نجد أن جانب ‘بست’ أكثر رواجاً لدى المهنيين الشباب، إذ تكثر فيه أجواء الحفلات والسهرات. كما تضيف الأحياء المتفرقة للعاصمة، وعددها 23، تنوعا رائعا إلى المدينة، فلكل حي طابعه الخاص.
وتقول الكاتبة سكيبا: “مع كثرة ولعي بالعيش في الحي السابع، وهو مركز للحفلات في المدينة، فإني أثمّن أكثر منطقتي التي أعيش فيها، وهي حي ‘أوليبوتفاروش’ (الحي الثالث عشر)”.
وتضيف: “إنها منطقة ذات طابع سكني أكثر، ولكن فيها الكثير من المطاعم والمقاهي والمحال الصغيرة القريبة، إضافة إلى مساحات مشتركة للعمل مثل ‘موزاييك’، وهو مركز تكنولوجي للشركات الناشئة في بودابست.”
أما الحي الخامس، الواقع حول “ساحة فوفام” وشوارع “كيتشكيميتي” في جانب ‘بودا’ من المدينة، فهو اختيار رائج لدى الموسرين من المغتربين.
إنه حي أكثر “رقياً”، حسب رأي سكيبا، والمواصلات فيه جيدة جداً، حيث يمر به خطان من خطوط قطارات الأنفاق، إضافة إلى قطارات الترام والباصات. كما توجد فيه العديد من المقاهي والبارات القريبة من النهر، حيث يقضي الناس أوقاتهم.
كان الحي الثامن، فيما مضى، محفوفاً بالمخاطر. ويقع هذا الحي أيضاً في جانب ‘بست’. وقد تحوّل في الآونة الأخيرة ليصبح “نقطة انصهار ثقافية”، حسب قول ف. أيستر، الذي يعمل أيضا لدى “مركز بودابست السياحي”. ويضيف: “يعطيك الحي إحساساً رومانسياً بالعفوية. أي شيء يمكن أن يحدث هنا، حقيقةً.”
كما إن السكان المحليين يوصون أصحاب العائلات، أو من يفضلون نسقاً أهدأ للحياة، بالعيش في الحي الثاني عشر، والثاني، وكلاهما في جانب ‘بودا’، حيث يتصف هذان الحيّان بالنظافة والمساحات الخضراء.
أين يمكنك السفر؟
لقاطني المدينة الكثير من الأماكن التي يؤمونها ضمن حدود المدينة نفسها، كلما سنحت لهم الفرصة. وتعد جزيرة “مارغيت” الواقعة في نهر الدانوب، مكانا مفضلا لدى محبّي التنزه مشياً على الأقدام. وتقع الجزيرة على بعد 3.5 كيلومتراّ عن مركز المدينة، في منتصف النهر بين جزئي المدينة.
وعلى بعد سبعة كيلومترات غرباً، وبين هضاب ‘بودا’، تقع منطقة “نورمافا” الرائجة طوال أيام السنة لمحبي النزهات القصيرة.
وتقول نورا: “تطل منها على مشاهد بانورامية رائعة للمدينة. يمكنك التزحلق على الثليج هناك في الشتاء، وفي الصيف تستطيع التنزه في حقولها.”
أما جزيرة “أوبوداي زيغيت”، الواقعة على بعد خمسة كيلومترات إلى الشمال من مركز المدينة وعلى نهر الدانوب، فهي موطن إقامة “مهرجان زيغيت” المشهور في شهر أغسطس/آب من كل عام، وهو واحد من بين أكبر المهرجانات الموسيقية والثقافية في أوروبا.
إذا ابتعدنا أكثر، سنجد أن الريف المجري يضم أماكن مشهورة لقضاء العطل. إذ تستقطب بحيرة بالاتون، الواقعة على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب الغربي، السبّاحين وهواة ركوب القوارب، إضافة إلى هواة ركوب الدراجات الهوائية الذين يستفيدون من الطرق المحددة خصيصا للدراجات والممتدة حول البحيرة.
كما تعد البلدات الصغيرة المنتشرة حول الجزء الشمالي من نهر الدانوب من المقاصد الشهيرة، بما فيها بلدة “سينتنيدري”، التي تبعد 20 كيلومترا إلى الشمال، وتشتهر بمتاحفها ومعارضها؛ وبلدة “فيشاغراد” التي تبعد 45 كيلومتر إلى الشمال، وفيها حصن وقلعة من القرون الوسطى؛ وبلدة “ازترغوم” التي تبعد 50 كيلومتر إلى الشمال، حيث تقع فيها أكبر كاتدرائيات المجر.
أما النفقات والأسعار في الدول المجاورة، مثل النمسا وكرواتيا، ورومانيا، فتعتبر معقولة نسبياً ويسهل الوصول إليها بالقطارات أو الطائرات.
تكاليف المعيشة
تعد أسعار الأطعمة، وأنواع المشروبات المختلفة، والسكن في متناول الجميع. ونظراً لنسبة الضريبة العالية على بعض المواد المستوردة، فإن أسعار أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والأجهزة الالكترونية الأخرى، وغيرها من الأجهزة المستوردة، تعد أعلى مما في باقي دول أوروبا.
ورغم ما ذُكر، يتفق سكانها جميعا على أن الأسعار في بودابست هي معقولة أكثر بكثير مما في غيرها من عواصم أوروبا الغربية.
ويقول بيهاري عن بودابست: “إنها من بين أفضل الأماكن في العالم من ناحية نفقات المعيشة، مقارنة بمستوى الحياة فيها”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع .BBC Travel