حقّ تقرير المصير في حالتنا رد فعل وحركة مدنية حضارية وسلمية

يحيى القضماني

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

كان بوسع قادة سوريا الجدد — وأقصد هنا (الشرع، والشيباني، وخطاب، وأبو قصره) — أن يتجنّبوا تورطهم في ذبح أهالي السويداء. كان بالإمكان أن يدخلوا المدينة كدولةٍ وفق اتفاق، وتنتهي المشكلة. لكن عقيدتهم التكفيرية، التي تُلزِمهم بمسلكهم الإجباري، هي التي سمحت لهم بذبح الدروز «الكفار». وهذه ليست المذبحة الأولى؛ فقد مارَسوا جرائمهم على مدار أربعة عشر عامًا ضد فصائلٍ إسلاميةٍ معتدلة وضباط الجيش الحر، وارتكبوا فظائع بحق من خالفهم الرأي، والجميع يعرف هذه الحقيقة.

أما الشيخ حكمت الهجري، فهو ليس منهم؛ بل هو قائد ديني نعتهم بالإرهاب، ورفض التعامل معهم مباشرةً، وحذّر من دخول فصائلهم المتطرفة إلى السويداء خوفًا من بطشهم. لم يقاتلهم أو يهدد سلطتهم؛ إنما وقع معهم في خلاف سياسي حاد. وعندما سُمِح لهم بدخول السويداء كقوةٍ وفق اتفاقٍ إقليمي، لم يُقاتلوا فصائل الشيخ، بل دخلوا إلى بيوت المدنيين مباشرةً وأعدموا الناس الآمنين في منازلهم — في مذبحة طائفية شنيعة لم تحصل في تاريخنا الطويل.

لا أفهم حتى الآن كيف ينظر إخواننا السنة إلى قادتهم الجدد الذين يقتلون الناس بهذه البساطة. هل يعتقدون أن دورنا قد حان لنُذبح وأن علينا أن نقبل بذلك ونصمت كما صمتوا أيام النظام البائد؟ هل يرون أن القادة الجدد مهتمون بالفعل بالقبض على مجرمي النظام القديم، وأن السويداء هي المحافظة الوحيدة التي يجب أن يُنفَذ فيها القانون بالقوة؟ وهل توافقون حقًا مع هؤلاء القادة المجرمين على تسميتنا كفارًا، وكأننا لم نكن نعلم ذلك مسبقًا؟

هل حصل في تاريخنا أن خنّا سوريا — الوطن — كي تُنعتونا الآن بالخيانة وتُقاطعونا بالكلمة وحتى بالاعتذار عمّا حصل؟ وهل سترضون لأن تُحَل أي خلاف سياسي حاد مع الحكومة مستقبلًا بتنفيذ مذبحةٍ لكم كما جرى في السويداء؟

إذا كان كل ذلك صحيحًا — وهذا ما يشير إليه الواقع — فأنا شخصيًا لن أرفع العلم الإسرائيلي ولن أسيء إلى أحمد (الذي توخيتُ فيه الخير)، ولكن أطلب منكم أن تقنعوه بأن يتركنا وشأننا، لأننا لا نتحمل مذبحة أخرى. وإذا خِفتم علينا من المجاعة، فسنمارس ما مارسه جدُّنا سلطان حين رفض الانصياع للفرنسيين: عاش مع الثوار أحد عشر عامًا في الصحراء، وعلم ابنه منصور الكتاب ليصبح برلمانيًا لامعًا، ودرب عقلة القطامي المسيحي على كتابة الرسائل للدول العظمى، وأوْحَى لرجاله طريق التضحية والبطولة والوطنية. كما فعل سليم حاطوم الذي عاد من الأردن محكومًا بالإعدام عند نشوب حرب حزيران ليقاتل إلى جانب أبناء وطنه، فسحقوا عظامه وأُعدم عندما وصل إلى دمشق بعد أن أعطوه الأمان.

أخيرًا، هل سيبقى الشعب السوري — وإخواننا السنة حصريًا — صامتين أمام مشروع تقسيم سوريا الذي ينفذه «الشرع» ببراعة فائقة؟ وهل سيبقون مبهورين بالعقود المليارية التي لا بد أن يبصم عليها رامي مخلوف “سوريا الجديدة” أخ الرئيس المفدى؟

إذا كان كل ما ذكرتُه صحيحًا، فاتركونا نحن الدروز نعيش كما نرى. هذا ليس موقفًا جديدًا: كتبْتُ على صفحتي منذ إعلان السلطة الجديدة أسماء قادة وزارة الدفاع، وتبين أن قسمًا منهم من الشيشان وأجانب. (لقد حُرِمتُ من دخول وطني ثلاثة عشر عامًا بسبب جرائم النظام البائد، وأنا على استعداد أن أُحرم ثلاثة عشر عامًا أخرى لو بقي في وطني ضابطٌ أجنبي واحد في وزارة الدفاع.)

إن حقّ تقرير المصير في حالتنا، والذي يمارسه أبناء السويداء كرد فعلٍ على ما حصل، هو حركة مدنية حضارية وسلمية. فلا تسمحوا للسلطة بتنفيذ مذبحة جديدة — فقد بدأت فورًا بالتجهيز لها، وعيّنت قائدًا أمنيًا جديدًا للمحافظة بدل المجرم أحمد الدالاتي: اسمه سليمان عبدالباقي، صبي أخرق طموح تستغله السلطة، لا يرى أبعد من ظله ولا يُؤتَمَن على إدارة قن دجاج في الجبل.

أرجوكم دعوا أبناء الجبل يمارسون طقوس العزاء والحريّة، ويواسون أمهات الأطفال والشهداء، كما فعلوا في ساحة الكرامة على مدار عام ونصف من أجل حريتهم وحرية الشعب السوري المنكوب. ربما تهدأ النفوس بعد أن نترحم على موتانا الذين ذَهَبوا ضحية التعلق بهذا الوطن القاتل. لن نترك سوريا أبدًا؛ فهي وطننا وتاريخنا ومرجعنا، وسلطاننا الذي لن نحيد عن دربه.

يحيى القضماني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.