حين تهمس الأشجار… تقرير من قرية تعارة إلى “لجنة التحقيق”

فادي عزام *
في الخامسة والنصف صباحاً من اليوم الرابع عشر من يوليو/ تموز 2025، بينما كان ندى الفجر لا يزال يتهادى على أوراق الزيتون، انكسر الصمت. كانت المشكلة بين البدو والدروز قد حُلّت بجهود الوجهاء المحليين، وتبادُل المخطوفين، لكن “هيئة تحرير الشام المنحلّة” (هتش) كانت لها خطط أخرى.
في السويداء، حيث يلتقي المقرن الغربي بحدود درعا الإدارية، تقع تَعارة، القرية التي اختيرت لتكون البوابة الدامية لما سُميت “حملة فك الاشتباك”.
أتقدّم بهذه الشهادة بادرة إلى لجنة التحقيق في أحداث السويداء وأقترح عليكم زيارة بصّر الحرير. اسألوا أهلها الأصليين عن تعارة همساً، لأن معظمهم اليوم خائفون جداً من قول الحقيقة. ولكني ما زلت متأكّداً أن الشهامة هي العلامة الفارقة لبصّر الحرير ودرعا.
هناك، بعد شاخصة “السويداء ترحّب بكم”، ستبدأ الروائح بالتسلّل إلى أنوفكم: حبق وكادي ونرجس وورد جوري وآس. ورائحة خاصة لشجرة ليمون في بيت عمّتي ليندا، علامة عبوركم إلى مفرق تعارة. على هذا المفرق بالذات، استشهد الشيخ أبو كنان إياد الحسين عزام. واحد من أنبل الناس، لو أن المسيّرة التي قصفته نظرت إلى ابتسامته، لاعتذرت له وارتدّت على مطلقها. أنصحكم كفاتحة للتقرير أن تدوّنوا اسمه جيّداً، فهو بداية موفقة لأي قاضٍ أو محقّق. هو ليس طرف خيط للاستدلال. هو سيّد الأدلة.
ستمرّون على طريق رقيق، على اليسار أرض ندعوها دحنونة، وعلى اليمين، وراء بيت محترق، أرضٌ فيها رجمة صغيرة، ستشاهدونها ككتلة حجارة لا أكثر، إنها أرض نسمّيها “المنطار” ومحاطة بأرض ندعوها القطعة، وكثير من أشجار الزيتون. سترونها أشجاراً، نحن في تعارة نراها أخوات، ونحبّ أن نطلق الأسماء على الأرض وما تنبت، فعادةً كل ما نسمّيه نحميه من الزوال.
لا أحد يفهم لغة الأشجار الشقيقة مثل من كبُر معها، عاش في ظلّها، اختبأ بينها، رواها حين حلّ الجفاف ودثّرها لمّا جاء الصقيع. لذلك أدعوكم أن تبدأوا باستجوابها، ستقول لكم من حرق بيت الأستاذ ممدوح عزّام، البيت الذي يضم آلاف الكتب.
بيت الروائي السوري الذي يُترجم إلى كل اللغات، الذي لم يقرأ له وزير الثقافة حرفاً واحداً، ولا يعرفه أصلاً.
حرق مكتبة روائي بحجم الأستاذ ممدوح تستدعي لجنة تحقيق أممية. فهذا متروكٌ للجنة أعلى بكثير من قدركم. لكن هناك رواية “جهات الجنوب”، ربما ستجدون نسخة لم تحترق بالكامل، قلّبوا فيها، وخذوا استجواباً من بطلها يونس جلول، الذي قضى 26 عاماً في السجن الفرنسي في غويانا بسبب مشاركته في مقاومة الاحتلال. يُفرج عنه بعد عقود طويلة، متوقّعاً استقبالاً بطولياً، لكنه يعود إلى بلدٍ تغيّر جذرياً ليجد وطنه يُهمّش أبطاله، ويجد من يتّهمه بالسرقة ويواجه مواقف كثيرة مثل “تسلق جبل الريح” وسط مخاطر لصوص الكروم، مواجهة “ضبع في المستنقعات”، استضافة في دير البرمكي حيث يصفه أحدهم بأنه عجوز مهترئ لا قيمة له. … أرجو إضافة يونس جلول إلى محضر التحقيق.
عساكم تجدون نسخة من رواية “حبر الغراب”، أنصحكم بالاستعانة بهذا الحبر. بقايا رماد الرواية وما ستجمعونه من دم في قريتي، من هذا الرماد الشريف، ومن هذا الدم النظيف، ربما يساعد تقريرَكم على أن يكون بداية جيدة للعدالة، ليس لتعارة، ولا للسويداء أبداً. بل للمجازر القادمة لباقي الناس في سورية العالقة بين أنياب “ضبع المستنقعات”.
وقبل أن تغادروا، هناك الكثير لا تستطيعون تحمله من مكتبة الأستاذ ممدوح. ستجدون قصراً شاهقاً للمطر. رواية سيذكرها التاريخ بعد ألف عام، بينما كل ما تمثلونه اليوم سيكون ركاماً مهدوراً في الفناء الخلفي لإسطبل الذكريات لهذه الأرض.
أتمنّى أن تجدوا الصفحة الأولى من الرواية، الجملة الأولى من هذه الملحمة. فهي تقول حرفياً: “أيقظته الطلقات! سبع رصاصات اخترقت الواجهة الغربية، واجتازت الممرّات الكامدة، والتجاويف المشظاة، والهامات المشرئبة، والهواء المصفر في القيظ، ثم استقرّت في جسد ما: إنه جسدي”. دوّنوها جيداً، فنحن في السويداء عموماً، وتعارة خصوصاً، نعرف كيف نتكلم مع الشهداء والقتلى والضحايا ونستنطق منهم الأدلة، عندما تزوّر الحقائق.
احذروا، البيت المحترق مليء بالأفخاخ، فربما يخرُج لكم كنج الحمدان، بطل رواية “قصر المطر”. حينها قد تكتشفون أحد أسرار السويداء العميقة. احذروا، قد يظهر لكم من بين الرماد “كامل الفضل” وإخوته، هؤلاء بناة قصر المطر، هؤلاء لا يمكن انتزاعهم من اللجاة، من المنارة، من تعارة.
بالمناسبة، ستجدون الكثير من الاسكتشات واللوحات التي خطها الفنان تمام عزّام ابن هذا البيت. ستجدون ثروة كبيرة في هذا الرماد. حافظوا عليه، فتمام بكل تأكيد سيستعمله في كولاج لوحاته القادمة لوجوه القتلة الذين مرّوا من هنا.
دليل 2
على سطح أحد البيوت المنهوبة، ربما تجدون بقايا لكاميرا، كان يحملها مُستقبِلاً أهله من الأمن العام، وحين اكتشف مبكّراً أن القادمين ليسوا سوى قتلة متنكّرين بأزياء الوطن الجديد، صوّر بقدر ما استطاع، وقاوم بقدر ما استطاع. كانت كلماته الأخيرة: “استشهد الجميع ما بقي غيري. أنا مصاب، أخلوا النسوان يا شباب.” وبعد قليل، يقول: “أنا أخذتُ إصابة ثانية، روحي عما تطلع يا شباب… روحي عما تطلع…”، سنبعث لكم بالتسجيل الصوتي للصحافي ساري الشوفي. هل سمعتم هدوءاً انفعالياً بمثل هذا الهدوء لإنسان تخرُج روحه من جسده؟
ستدهشكم بعض اللافتات على جانبي الطريق، فقد نظفت هذه القرية اسمها من الأسدية قبل “ما تسمّونه تحريراً بسنتين”، ومسحت آثار النظام، يوم كان المحرّر في الشمال يدوس أعلام الثورة. … تابعوا المسير، ستصلون إلى جسر البلد، ستجدون مقرّاً حزبياً لـ”البعث”، حوّله شباب البلد إلى مركز ثقافي، ومكتبة، ومكاناً للشعر والفن والأدب. أزالوا صورة الهارب ووضعوا مكانها علم الثورة وصورة الشهيد تامر العوّام، المُخرج والناشر والناشط ابن هذه القرية. الذي ترك ألمانيا في عام 2011 ليوثق جرائم النظام، وقُتل وهو يدافع عن حقّ حلب بألا تُقتل بصمت، يوم كان صمت العشائر يقتُلكم، يوم كان صمت سورية يوجعكم، فأعلن الانتماء للجوع وللضحايا، مكذباً روايات النظام. الهارب وجثمانه ما زال هناك. والخالة أم علي تبكيه وتصبّح على أهله وإخوته كل يوم.
ستجدون نصبين تذكاريين لكنان وجولان الحسين عزّام. هما أخوان، وها هي المفاجأة: أولاد الشيخ إياد الذي قتلته “شاهين مارقة” قادمةً لفك الاشتباك بين مشكلة بعض بدو المقوس وبعض أهالي السويداء، تم احتواؤها. أولاده، في الشهر نفسه عام 2018، استشهدوا في قرية اسمها “شْبِكي” في الجهة الأخرى من السويداء، وهم يصدّون الهجوم الإرهابي الشهير لمسلحي “داعش” برعاية نظام المخابرات.
وها هي المفاجأة: بعض من دواعش بشار بالاسم نعرفهم، وشاركوا بها، عادوا بهذه الحملة برفقة “حملة فك الاشتباك”، فالدواعش هم مسوخ المسوخ، نعرفهم من روائح أنفاسهم، وأثرهم حين تنتهي الغزوات.
دليل 3
الآن أهدأوا قليلاً، ترجّلوا من السيارة، لا تتكلموا، وأنصتوا. ستسمعون صوت الصمت. ستهتدون إلى مضافة الأخوين، الروائي فواز عزام و الناشر داود عزام. ستجدون فيها حتماً بعضاً من روايات فواز. أنصحُكم بقراءة “جبل البداية” و”جبل النهاية” وكتابه الثالث “صدى محمود درويش”. سيرشدكم المحشور في لجنتكم المحسوب على المنطقة لفك طلاسم لغز المكان.
أنصحكم أن تأخذوها أدلّة. ستجدون في المضافة طيفاً لرجل سبعيني كان هنا، دافع عن كتب أبنائه حتى الرصاصة الأخيرة. ستجدون بطلاً شرع له العالم الدفاع عن نفسه فاستشهد في مضافته. اسمه رافع عزام. إياكم أن تتهموه بمتلازمة الهجري.
أدلّة متفرقة
لتتوزّعوا فرقاً، سيصل أحدُكم بالتأكيد إلى كنيسة قريتنا. كنيسة قريتنا في تعارة نرتبط بها بعاطفتنا، بذاكرتنا. كنيسة نراها غير كل كنائس العالم، أجمل كنائس العالم، ومن أطهر البقاع المقدّسة في العالم. نعرفها حجراً حجراً، نحفظ دقّات جرسها كما نحفظ أسماءنا. دروزاً ومسيحيين ولاجئين أتوا من حماة ودرعا ودوما، أكرمتهم تعارة و”مجلسها” وكنيستها. مدمّرةً، وجرسها الحزين لا يجد من يقرعه.
بالقرب منها، سيكون منزل الشهيد تامر العوّام. في داخله ستجدون بقايا رواية شقيقته جهينة العوام، ومزقاً من روايتها “تحت سرة القمر”. ستجدون الكثير من الجمال الممزق والمحترق، وقصائد مكتوبة بخط اليد لشاعر القرية الشعبي، يدعى سعدو عزّام. لا تتعبوا أنفسكم بجمعها فنحن نحفظها عن ظهر قلب.
ستجدون آلات موسيقية، وأعواداً كثيرة، وكمنجات وشبّابة مزمار لنور الدين عزّام، ستجدون طبولاً ودربكات لمروان فندي عزّام، وستجدون عوداً رائعاً لربيع عزّام نسي أن يأخذه معه إلى دمشق، ستجدون كتباً عديدة لكتّابٍ وكاتباتٍ من هذه القرية، لكن رجاءً حارّاً: لا تغادروا قبل أن تجدوا طبعة من ديوان الشاعرة الراحلة سميرة عزّام، اسمُها يطابق اسم القاصة الفلسطينية، توفيت في 2008، عنوانه “سيرة الآس”، فهو يوثق لوجع الرائحة قبل الزوال.
اقرأوا فيه وكأنها تقول باسم “تعارة” قصيدتها.
“عانقني/ لقد اقتربنا من النهاية/ وعند النهاية فقط/ يعرف المرء/ طعم العناق.
دليل القلب
من تابع منكم باتجاه الحارة الغربية، سيمرّ هناك بجوار نبع الملح. فلينزل ثلاث درجات، لربما صادف طفلة صغيرة اسمها هيلا منصور، بطلة روايتي “سرمدة”، ترمي فصوص الملح بالماء كي تشفي الثآليل من يديها. لا تعكّروا صفو صمتها، فهي تهمس بدعاء خاص. لا تكلّموها، وحتى لو حاولتم، لن تردّ، لأنها إذا أجابتكم ستبطل التعويذة التي أخذتها من جدّتي.
أرمُوا بعض فصوص الملح في الماء، لربما ساعدتكم على إذابة الثآليل عن ضميركم. تجمّعوا معاً، تماسكوا جيداً، وامشوا صعوداً في الطريق المرتفع. على يمينكم جاروشة العم أبو خالد، منهوبة تماماً. بعدها مباشرةً حاكورة مباركة، جدارها أبيض، بوّابتها مطلية بدهان أحمر باهت. الغرفة بيت صغير، قطنت فيه عائلة هربت من ظلم نظام بشّار الأسد سنوات. هذا العقار يعود لأهلي، وبيت جدّي وطفولتي. سترون بوابةً، ومصطبةً بجوارها.
أطلق النار على عمّتي ليندا رجلٌ ما، جاء مع الحملة العسكرية، هل هو منها؟ هل هو معها؟ هل هو عنصر غير منضبط؟
كانت عمّتي تنتظرني لأعود من المدرسة. لقد تربّيت في هذا البيت. تفضّلوا بالدخول. مضافة فيها موكيت سجّاد قد سُرق ونُهب، سجّاد بعمر أربعين عاماً، صُنع خصّيصاً لهذه المضافة باليد، مكتوب على كل سجادة اسمي وأسماء إخوتي.
ستجدون حواكير الدجاج والديك الرومي، ومعالف صغيرة للأغنام، وشجرتين للزيتون، وشجرة توت هرمة. ستعبق بكم رائحة الليمون. عُمر شجرة التوت من عمر البيت، وتاريخ بناء البيت محفورٌ على حجر البازلت بجوار الباب الوسطاني الذي سيقودكم إلى الليوان. بعد عامين، ستكمل شجرة توت قرناً.
ستلاحظون شيئاً مهيباً، عجيباً، في هذا المكان. أطلق النار على عمّتي ليندا رجلٌ ما، جاء مع الحملة العسكرية، هل هو منها؟ هل هو معها؟ هل هو عنصر غير منضبط؟ … هذه مهمتكم. لن أتدخّل فيها. عمّتي التي لا تستطيع رفع ظهرها المنحني لتشاهد من هذا الضيف المبكّر القدوم، وقبل أن تدعوه لتصنع له فنجاناً من القهوة، كانت الرصاصات قد أجابتها. دمها الجليل امتزج بجذر هذه الشجرة الصغيرة. لذلك وصلت إليكم الرائحة قبل أن تدخلوا القرية. أنصحكم أن تقطفوا ليمونة منها، وتعصروا فوق التقرير قطرة، وتتذوّقوا حلاوة طعمها. لا عليكم من لذعة الملح الخفيف، فهذا دمُها الشريف. بمجرّد أن تذوقوه، لن تنسوه.
“ترجّيناها” أن تغادر يوم اكتشفنا أن القادمين يكبّرون لذبح الدروز، والرصاص والقذائف تنهمر مسكوبة، بعناقيد غضب تتفجر في كل مكان.
أكان الأمر يحتاج كل هذا الرصاص لتدخلوا تعارة؟ كان يكفي أن تمرّ الأرتال مسالمة مبتسمة وتطلب شربة ماء، لفتحت لها البيوت وقدمت لها البشاشة والطعام؟
على كلٍّ، يمكن لكم أن تستجوبوا المكان سيقول لكم لقد عرفنا بعض الذبّاحين، فهم من شارك وتفاخر بمذابح الساحل في فصائل. لديكم ما يفوق 3800 فيديو يتفاخر بها أصحابُها بما فعلوا بالسويداء.
نسيت، أنتم قضاة ومحامون، تعرفون أكثر مني، كلفكم وزير يتبع مقاتلاً غامضاً اختفى منذ 22 عاماً في العراق، عاش متخفياً كما يقول في البيوت الفقيرة والكهوف والمداجن… ثم أصبح رئيساً مؤقتاً للبلاد.
على سيرة المداجن، عمّتي الغالية التي لم تتزوج، لم تخرج من بيتها، متصوّفة وزاهدة، عندما زرتها بعد غياب 14 عاماً، وجدتها بالثياب نفسها، في المكان نفسه، مع الأثاث نفسه الذي ستجدون أن معظمه سُرق. … رفضت المغادرة. أجابت: “مين بدّو يطعم الدجاجات؟”. … دُفنت هناك، بالقرب من مكان وقوفكم الآن، بجانب شجرة التوت الحزينة الآن. وقد سرقوا دجاجاتها.
ستجدون في الجهة المقابلة بيتي الذي اغتربت عنه سنوات طويلة، بيتاً واسعاً مؤلفاً من سبع غرف وثلاثة طوابق، كان يتسع للسوريين والسوريات وهم بالمئات ممن زاروه ويعرفوه وأكلوا فيه، وضحكاتهم ما زالت معششة في زواياه. انتبهوا في أثناء رفعكم بصماتهم فالضحكات لا تعترف بالطوائف.
حين تدخلوه، ستجدون حتماً بقايا مكتبتي، ورماد صوري، بقايا ذكرياتي، وعريشة عنب، وبضع أشجار تين، وحظيرة في الخلف كانت أمي تربي فيها بطة لطيفة وفراخ حجل. بعد مغادرتها هي ومن تبقى من العائلة في صباحية ذلك اليوم المشؤوم، لم تستطع أخذها معها. لكن أحد الطيبين من البدو الذين يعرفون القرية أخبرها بأنها غادرت المكان محمّلة مع أثاث البيت المسروق.
“بعثت لي أمي: سرقوا البطّة وصيصانها، سرقوا قلبي”. أجبتها: “معقول، يا أمي، في كل هذا الموت والدمار، أنت تهتمين بالبطّة والصيصان؟”. ببساطة السيدة المؤمنة، قالت: “ما يحدث للبشر مكتوبٌ من ربّ العالمين، لا اعتراض على حكمه. أما ما حدث للبطّة فهو مسؤوليتي. لم أستطع حمايتها”. ..
. سأرفق لكم صورة لبطّة وصيصانها. الرجاء إضافتها إلى الأدلة.
أعرف أن لديكم 31 قرية مهجّرة مثل قريتي، وكثير من العمل. لديكم أيضاً منطقة المقْوس، حيث جرى تهجير السكان البدو منها بمرافقة الأمن العام، واستقبلهم المسؤولون، وظهروا على شاشات الإعلام الوطني. لكن سكان القرى الدرزية لم يستقبلهم سوى أهلهم في المناطق التي لم تصل إليها جحافل العشائر. نريد لأهلنا البدو أيضاً العدالة، كما للجميع. لذلك سأدعُكم وشأنُكم مؤقتاً. وأطلب منكم طلباً صغيراً قبل أن تغادروا بيتي المحطّم: أنصتوا أعمق، ستسمعون صوت الوادي، هديل الضحكات، عزف الريح، نداء الأرض، أهازيج مترفة بما يُحيي القلب، شهقات دهشة للفرح العظيم، أماني بسيطة لقريةٍ عدد سكّانها ألف وخمسة نسمة. على اليمين، هناك في مجرى الوادي الجاف، مكان عميق قليلاً اسمه “غدير الصوف”. ستجدون فيه حذاءً قديماً بالياً لطفل يعرف الأحجار حجراً حجراً، ترك علاماته الفارقة على كل حائط، وحجر مساحة مغروز في الأرض، صوته ما زال عالقاً على حوافّ الدروب الترابية القديمة. دعوا كل شيء في مكانه، لا تلمسوه، لا تلوّثوه، فهذه فردة حذائي.

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان


  • فادي عزام: كاتب وروائي سوري من السويداء (مواليد عام 1973). اقتحم مسلحوا الحكومة والعشائر بيته في قرية تعارة، أثناء اقتحامهم لمحافظة السويداء في تموز 2025، وقاموا بإحراق البيت الذي يضم مكتبة فيها أكثر من 7 آلاف كتاب. من ضمنها مؤلفاته ومخطوطات بخط يده.
    صدرت له عددٌ من الكتب والروايات لعلَّ أبرزها روايةُ «سرمدا» التي صدرت عن دار ثقافة للنشر والتوزيع عام 2011، وتُرجمت للغة الإنجليزيّة من قِبل آدم طالب بنفس العنوان سرمدا (بالإنجليزية: Sarmada) ونُشرت هذه المرة عن آرابيا بوكس، كما صدرت له روايةٌ ثانية بعنوان «رحلة إلى قبور ثلاثة شعراء: آرثر رامبو، فرانز كافكا، فرناندو بيسوا» وصدرت عن دار جدال للنشر والترجمة والتوزيع عام 2016، فضلًا عن رواية «بيت حدد» التي صدرت عن دار الحدود عام 2017، وكذا رواية «الوصايا» التي صدرت عن دار هاشيت أنطوان عام 2018.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.