«داعش» والضربة القاضية

إعلان السعودية ودولة الإمارات استعدادهما لإرسال قوات برية في اطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة «داعش» في سورية يشكل رسالة غير عادية. رسالة تؤكد حجم التغيير الذي طرأ على سياستي البلدين. وأسلوبهما في التعامل مع التحديات المتصاعدة في الإقليم. إنه ليس مجرد شعور بخطر التنظيم. إنه أيضاً ثمرة شعور بأن الحرب على «داعش» تحولت معركة إقليمية ودولية قد تتمخض نتائجها عن رسم ملامح التوازنات المقبلة في المنطقة. المسألة لا تتعلق فقط بالحرب على «داعش». إنها تتناول أيضاً محاولة توظيف هذه الحرب لإحداث انقلابات وإجراء جراحات داخل الخرائط الهرمة والتلاعب بتوازنات تاريخية بين المذاهب والدول والقوميات.

 

 

إعلان

إعلان

إعلان

هذه ليست مبارزة بين فلاديمير بوتين وأبو بكر البغدادي. وليست أيضاً مبارزة بين الجنرال قاسم سليماني و»أمراء» تنظيم «داعش». إنها أوسع من ذلك. إنها أكبر وأخطر.

 

 

«داعش» تنظيم رهيب. أشد خطورة وبكثير من سلفه تنظيم «القاعدة». تفوّق البغدادي على الزرقاوي. تفوّق إيضاً على أيمن الظواهري وأسامة بن لادن. غزوة العراق وسورية أشدّ هولاً من «غزوتَي نيويورك وواشنطن».

 

 

«داعش» يشكل خطراً وجودياً على العراق. وسورية. ولبنان. والأردن. واليمن. وليبيا. إنه شديد الخطورة أيضاً على السعودية ودول الخليج. إنه قنبلة مسمومة مشعّة تهدّد كل دولة في العالم الإسلامي. تهدّد استقرار هذ الدول. وعلاقات السنّة والشيعة. ومصير الأقليات. وتهدّد علاقات العالم الإسلامي بالدول الغربية والعالم.

 

 

طبيعة «داعش» لا تترك أي فرصة لاحتوائه. أو التعايش معه. أو إبرام هدنة. قاموسه لا يفسح المجال لأي رهان على ترويضه. خياره واضح وقاطع. أكون القاتل أو أكون القتيل. أقطع رأسكم أو تقطعون رأسي. لا مكان لأنصاف الحلول. ولا خيار أمام العالم غير الدفاع عن استقراره وسلامته وقيمه. لهذا اتخذ العالم قرار القضاء على التنظيم لكنه اتخذه بأشكال متباينة وانطلاقاً من حسابات مختلفة.

 

 

بقطع الرؤوس. والتفجيرات الانتحارية. والتصفيات. والسبي. حاول التنظيم إرعاب خصومه. احتل الموقع الأول في لائحة الأخطار. وعلى رغم ما تقدم يمكن القول إن المسألة هي أبعد من مبارزة مع «داعش» وأوسع.

 

 

المعركة أكبر من إرغام «داعش» على الانسحاب من قرية أو مدينة أو محافظة. المعركة تتناول مستقبل سورية. ومستقبل العراق. ولبنان. وليبيا. وأنحاء أخرى. إنها تمسّّ مستقبل العلاقات بين السنّة والشيعة على مستوى الأقليم. ومستقبل التوازنات بين إيران والعرب. والتوازنات بين المكونات الأربعة الكبرى للشرق الأوسط الرهيب وهي العرب والفرس والأتراك والأكراد.

 

 

لم يكن بوتين يحلم بهدية من هذا النوع. أعطاه «داعش» وتراخي باراك أوباما فرصة شرعنة تدخّله العسكري في سورية. فرصة كسر العمود الفقري للمعارضة السورية تحت لافتة استهداف التنظيم الإرهابي. إيران هي الأخرى تتوّج اتفاقها النووي بتقديم نفسها دولة منخرطة في محاربة الإرهاب في سورية والعراق، وكأن «داعش» هو الخطر الوحيد. ربما تستطيع روسيا وإيران توجيه ضربة قاتلة إلى المعارضة السورية المعتدلة، لكنهما لا تستطيعان بالتأكيد توجيه ضربة قاضية إلى «داعش».

 

 

ثمة سؤال أساسي وحاسم. من هو الأقدر على تفكيك «داعش» وإنهائه؟ يصعب الاعتقاد بأن روسيا هي هذا الطرف مهما بالغت طائراتها في توفير الغطاء لتغييرات ميدانية في الحرب السورية. يصعب الاعتقاد أيضاً بأن إيران هي الطرف المناسب للاضطلاع بمثل هذه المهمّة. تجذّر الحضور الإيراني في قرارّي بغداد ودمشق كان بين الأسباب التي أدّت إلى ظهور «داعش» واستفحال أخطاره وزيادة جاذبيته لدى من اعتبروا أنفسهم مقهورين ومظلومين بفعل تغيير هويّات دول أو مناطق. كون المناطق التي تُستهدف سنيّة ينذر أيضاً بتحوّل الحرب عقاباً قاسياً لهذه المناطق والمكوّن الغالب فيها. إن تحوّل الحرب على «داعش» نكبة للسنّة في مناطق انتشاره، يعطي التنظيم فرصة الادعاء أنه يواجه «حرباً صليبية روسية» أو «حرباً شيعية فارسية» وهو ما يؤسس لولادة تنظيم أشد هولاً لاحقاً.

 

 

لا مبالغة في القول إن الضربة القاضية على «داعش» يجب أن تأتي من البيئة التي صادر قرارها. أي من البيئة السنيّة. إنها الأقدر على حرمانه من ملاذاته وتفكيك قاموسه وجاذبيته وآلته العسكرية. فالحرب الشاملة على التنظيم لا تدور فقط على الجبهات. يجب أن تدور أيضاً في كل مدينة وقرية وفي المدارس والجامعات والمساجد. إن اضطلاع العالم السنّي بدور أساسي في محاربة «داعش» هو المفتاحُ الحقيقيّ لإلحاق هزيمةٍ دائمةٍ بالتنظيم وفكره وجذوره. في هذا السياق يمكن فهم الإعلان السعودي والإماراتي. وفي السياق نفسه يمكن السؤال عن أدوار دول معنيّة مثل مصر وتركيا والأردن ودول أخرى بعيدة طرق «داعش» أبوابها أو يستعدّ.

+ -
.