“رب ضارة نافعة”..!
عادت لتتعالى في الأونة الأخيرة أصوات من هنا وهناك “تُعيّب” على أبناء مجتمعنا “وسطيتهم” و “براغماتيتهم” و “عقلانيتهم” المستندة إلى “الدمج” بين “رفض الاحتلال” بالمعنى الأخلاقي وعلى المستوى السياسي، ومن الجهة الثانية “تمسكهم” بتحقيق “مكاسب اقتصادية” و”ظروف معيشية” لائقة لأبناء أسرهم ولأنفسهم ولكامل أفراد مجتمعهم.
يا حيف ..!
“يعيبون” على أبناء مجتمعهم نجاحهم الجميل الطيب في “الدمج” بين التمسك بـ “سوريتنا” على المستوى الأخلاقي و”السياسي”، وأن نبقى نستقي منها “الهوية”، ومن جهة ثانية، التمسك بـ”الواقعية الإيجابية والبراغماتية الإيجابية” في التعامل مع “وقائع الحياة”، بصفتنا “قلة قليلة” تعدادها بالكاد يصل إلى 25 ألف إنسان، ليس فقط ليس بمقدورهم “إزالة الاحتلال”، وإنما ليست هي مهتمهم أصلا، وأن دورهم ينحصر فقط في “الحفاظ على أرضهم وبيوتهم” و “سوريتهم” على المستوى الاخلاقي والسياسي، وبنفس الوقت من واجبهم ومن مهمتهم أن “يتمسكوا وبشدة” بحقوقهم في “العيش الكريم” وفي التطور والتقدم ونيل “الخدمات” في دولة الاحتلال هذه، بصفتهم بشرًا قبل أي معيار آخر، ثم بصفتهم “السكان الأصلانيين” أصحاب هذه الأرض وما فيها وعليها من خيرات..!
يا حيف كيف “تعيبون” على أبناء مجتمعكم الأحرار الشرفاء “سعيهم وتعبهم وعملهم” لتحقيق “مكاسب اقتصادية ومالية” في “مستوطنات وبلدات ومدن” هذه الدولة المحتلة، وكأن أمام أبناء مجتمعنا “خيرات بديلة” و”ظروف موضوعية” غيرها..!
لماذا “يستهدفون” هذه “الوسطية” في التفكير والإداء..؟! لماذا “يصوبون نيرانهم” على هذه “الوسطية” في “الفكر والممارسة”..؟ على هذا “الإبداع” في الدمج بين هذين المستويين..؟! على هذا “النجاح” في عدم “الرضوخ والانصياع” لواقع الاحتلال على المستوى الضميري والأخلاقي و”السياسي”، وفي الوقت ذاته “النجاح” في البقاء “متمسكين وبقوة شديدة” بتأمين مصالح الناس وحقوقهم المعيشية..؟!
ربما “الجواب” في المعادلة التالية:
عندما يواجه الطاغية – أي طاغية – خطرين معًا; متشدد أو وسطي، يختار القضاء أولاً على الثاني. وإن كان يناصب “المتشددين” العداء ويرغب بإضعافهم، ولكن ليس بمقدار رغبته بالخلاص أولاً من “الوسطيين”. فالخطر “الأخطر” على “الطغاة” يتأتى ممن يواجههم بفكر وأداء يتبع “الوسطية” كنهج حياة.
على أية حال، هذه الأصوات التي عادت تتعالى مؤخرا هي “نشاز” وتأثيرها على “الأحداث” تافه جدًا، ولا يستحق أصلا أن نعيره أي اهتمام أو انتباه، ولكنني وجدتها “فرصة طيبة” لإعادة التذكير بأن أبناء مجتمعنا الشرفاء الأحرار، وهم بالتأكيد الأكثرية الساحقة، إنما”نجحوا” بواسطة تبنيهم لهذه “المنهجية الوسيطة” …! نجحوا في مواجهة مخططات إهانة “هويتهم السورية”، وفي الوقت ذاته نجحوا بتحقيق انجازات حياتية ومعيشية وارتقاء وتقدم وتطور بفضل هذه “الوسطية في الأداء والذهنية”، ولهذا السبب هي “مستهدفة”، ولهذا السبب علينا الاستمرار ليس فقط بـ “التمسك بها”، بل وإثرائها بالمزيد والمزيد من “الإبداع في الأداء والفكر”، وأن “لا نسمح” لأي كان، سلطات الاحتلال أو أزلامها، بـ “حشر” الناس بين خياري “الهوية والإنتماء” أو “المعيشة والمصالح”..!
كلام سليم وجريء يتلائم مع واقع الحياة التي نعيشها معا بعد نصف قرن ونيف من الاحتلال . ألا تعتقد أن هؤلاء المقصودين بتوجهاتك المنطقية ، يعلمون علم اليقين أنك محق فيما تقول ؟ وأن كافة تصرفاتهم ليست الا مجرد أوهام ( دون كيشوتية ) لا تتلائم مع واقع الحياة التي نعيشها جميعا ، حياة الترف والبذخ والتي تتطلب منا جميعا السعي خلف نيل العيش الكريم الى جانب الحفاظ على الثوابت الاجتماعية والوطنية التي ذكرتها في سياق توجهاتك ومداخلاتك النبيلة . صدقني يا أخ مجيد أن الغالبية الساحقة من أبناء المجتمع الجولاني يتفهمون جيدا سطورك وما بينها ويدركون أنك محق وبامتيز .
شكرا جزيلا على تفاعلك ويسعدني أنه قد لاقى الاستحسان.
يحق لأبناء مجتمعنا “الإعتزاز” بأنهم “ينجحون” في الدمج بين المستويين: أن لا تُهان هويتنا السورية، وفي ذات الوقت، أن لا يثقل ذلك على حقنا وواجبنا بـ “العيش الكريم”، وهو يتحقق بجهد وتعب الناس وليس “مكرمة” من أحد.. لا الاحتلال ولا غيره..!
عسى أن يكون “هؤلاء المقصودين” على دراية بهذه “الحقيقة”، وأن “غاية في نفس يعقوب” هي التي تحركهم. فمعرفة الصح، حتى وإن كنت لا تمارسه، أفضل من الجهل به.
يسعد أوقاتك، تحياتي.