لَم يكُن شَعرُها فالِتاً في الحقولِ،
رَغمَ أَنَّ القمحَ ينمو كثيفاً فوقَ كفّيها.
لَم تَدُس مرّةً أَرضَ السؤالِ عن السّبَب،
كانَ يَكفيها كُلّما فَتَحَت شَفَتيها
أَن تَطيرَ سُنونُوّةٌ صَوبَ أحلامِها.
لَم تَسرِق مِنَ اللّيلِ نَجمَةً حينَ غَفَت،
وما حَلُمَت بِغَيرِ قَميصٍ جَديدٍ
أَخَفُّ قليلاً مِنَ الرّيح، وَرَبطَةِ شَعرٍ
ـ كتِلكَ التي تَلفُّ ضَفائِرَ لَيلى ـ
حَمراءَ مَشغولَةٌ مِن حَرير.
وما حَلُمَت بِغيرِ الحَقيبَةِ وكرّاس رَسمٍ.
وإِن ظَلّ في اللّيلِ مُتّسعٌ،
سَتحلُمُ مِن دونِ قَصدٍ، بأَن تَرتَدي
حِذاءً أَقلّ جِراحاً،
وأَن تَحفَظَ أُغنياتَ التُرابِ،
فَلا تَتَلَعثَمُ إذا اختَلَطَت أَحرُفُ الكَلماتِ
وفاضَ على شَفَتَيها الصّهيلُ بأَكثَرَ مِمّا تَحتَمِل.
وَحينَ يَهمُّ المَنامُ بأَن يَنسَحِبَ، تَكتَفي بِرَبطَةِ شَعرٍ
حَمراءَ مَشغولًةُ مِن حَريرٍ،
يَحمِلُها الجُنودُ إِلَيها:
ـ صَباحُ الخَيرِ يا ابنَةَ كلّ أَشجارِ الوَطَن.
صَباحُ الخَيرِ يا وَشماً على وَجهِ الحِكايَةِ.
ما شِئنا أَن تَفيقِ مِنَ الحُلمِ
قَبلَ أَن نُزَيِّنَ شَعرَكِ، وَلَكنّ نَبعَ ماءٍ هُنا،
حَقلَ تَبغٍ هُناكَ، وفلّاحاً مُتعَباً،
سَدّوا عَلَينا الطّريقَ
وما أَبقوا لَنا غَيرَ سَحابَةٍ في الأُفقِ، نَرفسُها
لِنُطِلَّ مِن شُبّاكِكِ المَفتوحِ لِلشَمسِ،
مخالِبُنا تُرَتّبُ خاتِمَةَ الأُمنياتِ،
تَمنَحُكِ المَوتَ دونَ عَناء.
ولن نَحرمَ الدَّمعَ عَن أَعيُنِ الأُمّ والأَصدِقاء.
هَدايانا بِلا حَدٍ،
هَدايانا كأحجارِ الرُّخامِ،
وَسائِدَ مِن ريشِ النّعامِ
تَحرُسُ غَفوَتَكِ الأَخيرَة، فنامي
مُطمَئِنَّةَ البالِ، هادئة الأَحلامِ.
وَإِن شِئتِ أَفيقي الآنَ وَشَعركِ أَحمَر،
أَفيقي الآنَ وَكُرّاس رَسمكِ أَحمَر،
أَفيقي الآنَ وَفَيضٌ مِنَ الأَحمَرِ في كُلِّ صَوبٍ.
لَم يَكُن شَعرُها فالِتاً في الحُقولِ،
كانَت تَلفُّهُ بِرَبطَةٍ مِن وَرد.
لَم يَعرِف أَحَدٌ كَيفَ لِشَعرِها
أَن لا يَكونَ فالِتاً في الحُقول.
يا لهذا الشعر الجميل