تعود تسمية الأرض بالكوكب الأزرق إلى توافر عنصر المياه الذي يميزها بين كواكب المجموعة الشمسية. هناك كميّات ضخمة من المياه السائلة تغطي 70 في المئة من سطحها، ويجد المختصّون صعوبات جمّة في شرح مصدرها (راجع «الحياة» في 29 كانون الأول – ديسمبر 2015). يعتقد كثيرون من علماء الجيوفيزياء بأن تلك المياه، منذ بداية تشكل الأرض، كانت دائماً جزءاً من «عجينها» الأولي أو الـ «ماغما» وهي الصورة الأوليّة لكتلة صخور الكرة الأرضيّة. ثم أخذت هذه المياه تنبثق عبر الينابيع الجوفية الحارة والبراكين من أعماق الأرض كبخار حارق شارك بقوة في تأسيس الغلاف الجوي للأرض.
وفي مرحلة تالية، حين برد الغلاف الجوي بما يكفي لتكثّف البخار، أخذت المياه بالهطول، فتشكلّت المستنقعات والبحيرات الأولى، ثم البحار والمحيطات. واكتشف العلماء في «غرينلاند» أقدم صخور رسوبية على الأرض، وهي صخور يفترض أنها تشكلت في أعماق المحيطات من الصدفيّات والهياكل العظميّة للكائنات. ويعود تاريخ تلك الصخور إلى 3.86 بليون سنة قبل اليوم. وفي عام 1999، عثر العلماء في أستراليا على عنصر الـ «زيركون» ومشتقّاته، وهي معادن لا يمكن أن تبلور إلا في الماء، مقدّرين تاريخها بقرابة 4.4 بليون سنة، وفق نسبة وجود النظائر المشعّة في مكوّناتها المستقرّة. وبالنّسبة إلى برنار مارتي، الباحث في مركز «نانسي» الفرنسي لبحوث البترول والكيمياء الجوفيّة، فهو يعتبر ذلك الأمر دليلاً غير مباشر على أن كوكب الأرض كان يحتوي على كميّة كبيرة من المياه، بعد مرور ما لا يزيد على 150 مليون سنة من تشكله.
في المقابل، لا يتقبّل كل علماء الجيولوجيا السيناريو القائل بوجود مياه أصلية منذ التشكّل الأول للأرض. ووفق فرانسيس ألباريد، العالِم من «المعهد العالي» في ليون الفرنسية، فقد كانت الأرض جافة تماماً عند ولادتها في تكوينها الأصلي. ويستدل على رأيه بجفاف الصخور القمرية. ووفق رأيه، لو كانت المياه في أصل تكوين الأرض منذ نشأتها، لوجب أن نجد الماء في الصخور على القمر الذي تكوّن من البنية الأرضية ذاتها إثر اصطدام الأرض بكويكب كبير، كما يرجّح معظم الفلكيّين.
ولا يقتصر الجدل على هذين الرأيين. فهناك من يفترض أن المياه وصلت إلى الأرض عبر «القصف الثقيل» أو «القصف المتأخرّ، والمقصود به السقوط المكثّف والطويل للنيازك والمذنبات على الأرض منذ 3.9 بليون سنة، بمعنى أنه بدأ بعد تشكّلها بمئة مليون سنة، ثم استمر ذلك الهطول لأكثر من مئة مليون سنة، وفق تقديرات معظم الفلكيين أيضاً، إذ يرى يانيك ريكارد، وهو يشتغل في «مختبر الجيولوجيا» في ليون، وديفيد بركوفيتشي، وهو من جامعة «يال» في الولايات المتحدة، أن ذلك القصف ربما ساهم في تشكل القارات على سطح القشرة الأرضية.
