
«ذئاب الليل» احتشدوا مع «فرسان القوقاز» في موسكو، ومعهم حضر ممثلون عن نقابات، وناشطون يرفعون شعارات يسارية وتشكيلات قومية وطلاب وعمال وموظفون نقلتهم الباصات من المدن والأقاليم إلى مكان التجمع. خليط من «كوكتيل» سياسي واجتماعي اختلفت مكوناته في كل شيء واتفقت على أمر واحد: منع مرور «الثورات الملونة» إلى روسيا.
اشتبكت أعلام روسيا ذات الألوان الثلاثة مع رايات شيوعية حمر وأخرى «قومية» غلب عليها الأسود، في مشهد نادر سعى منظموه إلى توجيه رسالة لا تقبل التأويل: «ميادينكم قادت إلى الحروب والويلات، وميدان روسيا موحد… ضدكم».
«أنتي ميدان» (ضد الميدان) الحركة التي تأسست منتصف الشهر الماضي، قدمت على رغم حداثتها على المسرح السياسي، عرضاً لقدراتها على حشد المؤيدين، بعدما جمعت حوالى أربعين ألفاً في أضخم تدشين لنشاط سياسي يتوقع المسؤولون عنه أن يتضاعف كمّاً ونوعاً.
ولا يخفى الدعم غير المحدود الذي يقدّمه الكرملين للحركة الفتية، إذ يسهّل حصولها على ترخيص كحزب سياسي، في زمن غدا الترخيص للأحزاب نادراً، فضلاً عن تسخير القدرات لدعم الحركة الوليدة، وتسهيل نقل المشاركين في نشاطها بسرعة البرق إلى مكان التجمع، و «تغاضي» الأجهزة الأمنية عن حضور عشرات الآلاف نشاطاً كانت الموافقة عليه قضت بمشاركة عشرة آلاف شخص فقط.
في المقابل، لم يتأخر المنظّمون في إعلان هويتهم، فصور الرئيس فلاديمير بوتين في أوضاع مختلفة مع الشعارات المؤيدة لسياساته كانت الأكثر طغياناً بين خليط الشعارات ذات الطابع القومي أو السياسي المتعدد. وعكس حضور مجموعات «ذئاب الليل» القومية المتشددة التي طالما جاهرت بعدائها للقوقازيين، مع أنصار الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف الذين جاؤوا بكثافة من القوقاز للمشاركة في المسيرة، توجهاً واضحاً نحو توحيد الجهود خلف شعار واحد، له الأولوية الآن في السياسة الروسية. وعبّر عنه بوضوح زعيم «الذئاب» ألكسندر زالدوستانتوف بهذه العبارة: «فكرة الميدان تعكس كل ما هو معادٍ لروسيا لذلك أسسنا أنتي ميدان».
وكانت موسكو لجأت إلى مبدأ «شارع مقابل شارع» نهاية عام 2012، حين نشطت المعارضة الروسية في حشد أنصارها للاعتراض على ما وُصِف بأنه «تزوير لانتخابات البرلمان»، فظهر أنصار حزب «روسيا الموحدة» وحركة «ناشي» (لنا) الشبابية الموالية لبوتين، ثم ظهر «التحالف الوطني» الذي ضمّ طيفاً من ناشطين مؤيدين من تيارات عدة، وكان الهدف أن يظهر أنصار المعارضة أقلية منبوذة، لا تأثير فعلياً لها في الشارع.
ولم تعد لظهور تلك الحركات والأحزاب أهمية بعد ذلك، خصوصاً أن معدّلات تأييد بوتين وسياساته بلغت مستويات تعتبر سابقة وحافظت حتى الآن على معدل لا يقل عن 75 في المئة.
يقول معارضون أن اختيار ذكرى أحداث «ميدان أوروبا» في كييف لإطلاق نشاط «أنتي ميدان» في موسكو، استهدف توجيه رسالة فحواها أن استخدام الحدث الأوكراني لزعزعة الأوضاع في روسيا لن يكون أمراً سهلاً، وهو ما عكسته «استعارة» الشعار الرئيس الذي رفعه الميدان الأوكراني طوال العام الماضي: «لن ننسى… لن نغفر»، وتحويله إلى شعار مركزي لحركة «ضد الميدان». لكن الرسالة الأهم هي أن روسيا ملتفة حول سياسات بوتين، وأن جواب «الميدان الروسي» على «الأعداء» لن يزيد عمّا كُتِب على لافتات رفعها بعض المشاركين في المسيرة: «بوتينيزم إلى الأبد»!