
بقلم الشيخ فائد زهر الدين
أيها الأهل في قرانا، وكما يبدو في جميع القرى، لقد نوّهنا مرارًا، وها نحن ننوّه تِكرارًا، إلى بعض العادات المتّبعة في تصرّفاتنا، حيث نعاني جميعًا من تكرارها ولا نبادر إلى الكفّ عنها، رغم الانتقادات وطرح المبادرات البديلة الأكثر ملاءمة للواقع الاجتماعي والجغرافي وربما الاقتصادي الذي يسود قرانا حديثًا، علمًا أن هناك أمورًا يصعب تغييرها جذريًا لأنها تعود إلى الماضي البعيد، ولا حلّ لها لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد، كالبناء القديم والأزقة والشوارع الضيقة التي باتت عائقًا أمام مظاهر التقدّم الحضاري، ككثرة وسائل النقل والازدياد في التعداد السكاني وغيرها.
ومن أهم هذه العادات:
أولًا: زحمة السير وركن المركبات في المناسبات العامة من أفراح وأتراح، حيث لا يجد الفرد منا مكانًا لركن مركبته، وكثيرًا ما نضطر إلى ركن المركبة بعيدًا عن المكان المقصود، مما يضطر الرجال والنساء كبار السن إلى قطع المسافات مشيًا على الأقدام رغم قدراتهم المتواضعة. وإذا تساءلنا: ما الحل؟ لا نجد حلًا سوى تفهّم من يستطيع الوصول إلى هدفه دون مركبة فليفعل، وليدع المكان للغرباء الذين لا حول لهم في الوصول إلا باستخدام مركباتهم. أو ربما تقديم واجب العزاء لمرة واحدة دون تكراره لثلاثة أيام متتالية. وهناك مثل شعبي تناقلته الأجيال: “من حضر الأجر قد أُجِر”. فلماذا تكرار العملية؟ وغالبًا ما تكون مجرد عملية جاه لا أكثر ولا أقل. والأغرب من ذلك أن البعض يكيلون المديح للمتوفّى وهم يعلمون علم اليقين أنهم يبالغون…
ثانيًا: في جميع المواقف وبيوت العزاء هناك لافتة، بالخط العريض، مكتوب عليها: (الرجاء تقديم واجب العزاء مقابلة)، ورغم ذلك نرى البعض لا يكتفون بذلك، بل ينهالون على أهل الحريبة بالقبل والعناق، علمًا أن هناك “المرشّح والمكرّب”. وهذه أسهل طريقة لنقل العدوى – “يا أخي بلاش تمجيط، مين عتبان عليك؟”.
ثالثًا: هناك من لا يكتفي بالحضور لتأدية واجب العزاء ثلاث مرات، فيذهب إلى البيت بعد انقضاء ثلاثة أيام، ولربما لأربعة أيام أخرى حتى يوم الأسبوع. هل هذه محبة… أم تراها مزاودة؟ والله لا أدري ماذا أقول.
رابعًا: كثرة المأكولات والأطعمة التي يقدمها أهل الكرم والجود لأهل الحريبة يمكن اعتبارها في أيامنا هذه عملية تبذير لا حاجة لها، علمًا أن القسم الكبير من هذه المأكولات نهايته – للأسف الشديد – في سلال القمامة. وقد رأيت ذلك بأمّ عيني، وسألت أصحاب الشأن: لماذا هدر النعمة بهذا الشكل؟ فأجابني أحدهم قائلاً: ماذا أفعل بهذه الكميات التي انهالت علينا من كل حدب وصوب؟
هذا – لعمري – حرام أيها الإخوة والأخوات. نحن نرمي النعمة في سلال القمامة، وهناك من لا يجد لقمة عيش يقتات بها في مكان آخر. هل هذا منطق؟ أو كما نسميه كرمًا وجودًا؟!
خامسًا: مناسبات الأفراح باتت عبئًا ثقيلًا على أبناء المجتمع بأسره، على أهل العريس وأهل العروس وعلى المهنئين أيضًا. أيها الإخوة والأخوات، هل لديكم اعتراض على ذلك؟ عزيمة للأقرباء، وحفل توديع العزوبية، وقاعة التأهيل ثم قاعة الفرح، وغالبًا ما تكون بالسر، بحيث يخفي المعنيون ذلك عن المشايخ لكي يحضروا التأهيل، وبعد ذلك لا يكترثون لمن ينتقد.
هناك من يذهب للمباركة ثلاث أو أربع مرات في اليوم نفسه، وهذا مرهق اقتصاديًا. وإذا قام صاحب المناسبة بدعوة أكثر من ألف شخص، ألا يعلم أنه سيبقى طوال حياته يسدّ فلانًا وفلانًا؟ هذا غير تكاليف العرس وبدلة العروس التي تحتاج إلى ميزانية. “شو غيري أحسن مني؟” و”العريس المِعْثَر ويلو وطبيلو”، من أين سوف يؤمّن كل ذلك؟ وأحيانًا ما يكون مسكنه بالإيجار. وبعد سنة أو سنتين تبدأ الخلافات بين الزوجين تشق طريقها إلى الأسرة، وغالبًا ما تكون نتيجة الأوضاع المادية، فينجم عن ذلك الطلاق، فتتشرد الأسرة ويحصل ما لا يُحمد عقباه…
بحق الله أيها الأهل، أعيدوا النظر واحتكموا إلى ضمائركم، فلا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم. والله ولي التوفيق. ودمتم.
فائد زهر الدين































