هناك علاقة وطيدة بين نوعية التغذية وصحة الجسم، وحينما يقال صحة الجسم فإن المقصود عدة مراتب من مستوى الصحة، أولها صحة أجهزة وأعضاء الجسم على أداء وظائفها، وثانيها قدرة هذه الأعضاء بمفردها وقدرة الجسم بمجمله على مقاومة أي اختلال في عمل الجسم وعمل أعضائه وأجهزته المختلفة، وثالثها قدرة الجسم وكل أجهزته وأعضائه على استعادة الصحة والعافية عند الإصابة بأي انتكاسات مرضية سواء كانت مزمنة أو حادة.
الدماغ أحد أعضاء الجسم، وقدرات الدماغ على أداء وظائفه وسلامته من الإصابة بالأمراض وقدراته على استعادة العافية والصحة كلها مرتبطة بشكل وثيق مع تغذية أحدنا لجسمه بأنواع الأطعمة والمشروبات المختلفة. والأطفال هم في الأصل في مرحلة النمو، وأدمغتهم وجهازهم العصبي بالمجمل يخوض عملية نمو عضوي ووظيفي خلال مرحلة الطفولة، ولذا فإن تغذية الطفل في هذه المرحلة هي أساس بناء نمو عضوي ووظيفي للدماغ والجهاز العصبي.
وهاجس الأمهات والآباء في مراحل التعليم للأطفال هو نجاح أطفالهم في تحصيل أفضل ما يمكن من المعرفة، ويهتمون بالتالي بتوفير كل ما هو ضروري ولازم لبلوغ أطفالهم هذا النجاح، بدءا من اختيار المدرسة وتنظيم عمليات نومهم واستيقاظهم ولعبهم وترفيههم ومشاهدتهم للتلفزيون واستخدامهم للكومبيوتر وتوفير احتياجاتهم من الكتب والقرطاسية والحقائب وغيرها، ويبقي على الأمهات والآباء الاهتمام بتغذيتهم.
وتقول بيثاني ثايير، الناطقة باسم رابطة التغذية الأميركية (ADA) وأخصائية التغذية في ديترويت: «إذا أردت أن يكون أداء طفلك أفضل في المدرسة، عليك الاهتمام بما يتغذى عليه ويتناوله من أطعمة ومشروبات. هناك مأكولات ومشروبات معينة تصنف بأنها أغذية للدماغ، وهي التي تساعد على تنشيط عمل الدماغ ونموه بطريقة سليمة وتحسين قدراته على العمل والتركيز والتذكر». وتضيف: «في الحقيقة، الدماغ عضو جائع باستمرار، ومن أوائل الأعضاء التي تمتص خلاياه بسرعة العناصر الغذائية التي تدخل الجسم عن طريق الأمعاء من طعامنا اليومي. وإذا ما دخلت أجسامنا أطعمة سيئة سيعاني منها الدماغ دون أدنى ريب».
* غذاء العقل
* وهناك قائمة للأمهات والآباء عن تلك الأطعمة المفيدة للجسم بالعموم وللدماغ على وجه الخصوص، والتي يستفيد منها بشكل أفضل دماغ الطفل وتمكنه من الأداء بشكل أفضل في مراحل التحصيل العلمي.
• البيض. من تلك الأطعمة البيض. ويمتاز البيض بأنه منتج غذائي يحتوي على كمية عالية من البروتينات الأساسية، وأنه غني بالدهون غير المشبعة ويحتوي على الكولسترول المفيد لنمو دماغ الطفل. ولذا فإن حرص الأمهات على تناول أطفالهن للبيض، وخصوصا في وجبات الإفطار أو العشاء هو إحدى الخطوات الصحيحة في تغذية الأطفال. وبخلاف البالغين فإن الأطفال يحتاجون إلى الكولسترول، وخصوصا الأطفال ما دون سن سنتين من العمر لأن الكبد لديهم لم تكتمل قدراته بعد على إنتاج الكولسترول. وصحيح أن ارتفاع الكولسترول ضار لدى البالغين ولدى المراهقين، ولكن توفير الكمية اللازمة للجسم منه للأطفال هو أمر ضروري، ذلك أن الكولسترول عنصر أساسي في نمو الدماغ والشبكات العصبية وعنصر أساسي في بناء جدران الخلايا في الجسم وعنصر أساسي في تكوين بعض أنواع الهرمونات المهمة للجسم. والمفيد في البيض هو تدني محتواه من الدهون المشبعة، وأن غالبية الدهون فيه هي نوع الدهون غير المشبعة. والأطفال في مراحل النمو بحاجة إلى مصدر غذائي يزودهم بالبروتينات. وإضافة إلى ذلك كله فإن البيض مصدر جيد لكثير من المعادن والفيتامينات، كما أن البيض، وصفاره بالذات، يحتوي على مواد «كولين» (choline) التي تساعد في تطوير نمو الدماغ وتطوير عمله.
وهناك طرق متعددة لإضافة البيض إلى تغذية الطفل، إما كبيض مسلوق أو مقلي بزيت نباتي طبيعي غير مهدرج ومضاف إليه شرائح من الجبن أو مخفوق مع الحليب، وبالتالي يتناوله الطفل كساندويتش، وإما بإضافة البيض إلى المعجنات والحلويات وغيرها من الأطعمة. والمهم ملاحظة عدم وجود حساسية من البيض لدى الطفل.
* البقول
* الفول السوداني. ومن الأطعمة الأخرى الفول السوداني (peanut) وهو أحد البقول، والبقول كما هو معروف من المنتجات الغذائية الغنية بالألياف والبروتينات والسكريات والمعادن والفيتامينات. وبالإضافة إلى تلك العناصر فإن الفول السوداني من بين بقية البقول غني بالدهون النباتية غير المشبعة التي يحتاج إليها الدماغ، وخصوصا أنواع أوميغا – 6 وأوميغا – 3. والفول السوداني غني كذلك بفيتامين إي (E)، ومجموعة أخرى من المواد التي تصنف جميعها ضمن المواد المضادة للأكسدة (antioxidant). والمواد المضادة للأكسدة ضرورية في حماية الدماغ ونموه بشكل طبيعي بعيدا عن التأثيرات السلبية لكثير من أنواع السموم والملوثات التي قد تختلط بالأطعمة في مراحل عدة من إنتاجها وإعدادها. وغنى الفول السوداني بالألياف يساعد الطفل في تنشيط وتسهيل عملية الإخراج، وبالتالي إعطاء راحة لذهن الطفل من معاناة الإمساك وتأثيراتها على الصفاء والنشاط الذهني.
والفول السوداني يتوفر على هيئة معجون يمكن إدخاله إلى مكونات الساندويتش للطفل أو ممزوجا بالحلويات وغيرها وخصوصا العسل، أو إضافته إلى السلطات أو شرائح الفواكه وغيرها. ويجدر الاهتمام بالحساسية من الفول السوداني لدى الأطفال، هناك مؤشرات علمية على أن حساسية الفول السوداني مرتبطة بعملية التحميص، وتقل احتمالات الحساسية بتناول الفول السوداني الطبيعي وغير المحمص.
• البقول. وأسوة بالفول السوداني من البقول هناك الفاصوليا، التي يمكن تقديمها للطفل كبذور مطهوة أو مخلوطة بمكونات السلطات وغيرها من الأفكار المتعددة لتقديم الفاصوليا للطفل. والفاصوليا بالذات غنية بالبروتينات والنشويات التي تمتد جسم الطفل بالطاقة المتوازنة، خصوصا مع غناها بالألياف. والمقصود بإمداد الطاقة المتوازنة أن وجود الألياف ينظم عملية امتصاص الأمعاء للسكريات ويبطئ من سرعة امتصاص الأمعاء لها، وبالتالي حينما يتناول الطفل الفاصوليا المسلوقة في وجبة طعامه للغداء مثلا فإن السكريات تدخل إلى الجسم بوتيرة متزنة ولفترة زمنية أطول، وبالتالي يسهل على الدماغ والأعضاء الأخرى الاستفادة من السكريات في تنشيط عملها. والفاصوليا المسلوقة أيضا مصدر غني بدهون أوميغا – 3، ومعلوم أهمية دهون أوميغا – 3 في تنشيط عمل الدماغ.
* غذاء صحي
* الحبوب الكاملة. وهناك كذلك الحبوب الكاملة وغير المقشرة، كدقيق القمح أو حبوب الشوفان. وتمتاز الحبوب كمصدر غني بالسكريات الممزوجة بالألياف، وبالتالي تمد الجسم بمصدر متواصل للطاقة يساعد الدماغ على العمل بنشاط وتركيز خلال ساعات التحصيل الدراسي، ولذا تناول شرائح الخبز المصنوع من الدقيق الأسمر، أو تناول حبوب الشوفان المطهوة والممزوجة بالعسل، أو تناول قطع المعجنات الحلوة المصنوعة من الدقيق الأسمر هي أحد مكونات الإفطار الصحي أو العشاء الصحي للطفل. والحبوب الكاملة غير المقشرة تحتوي على طبقة قشرة الحبوب، وهذه الطبقة هي التي تتركز فيها المعادن والفيتامينات والألياف، ولذا تقشير الحبوب وصنع الخبز من الدقيق الأبيض يحرم الطفل من المعادن والفيتامينات والألياف التي هي من أهم فوائد تناول الحبوب.
* الخضراوات والفواكه. ومن الضروري أن تتنبه الأمهات إلى أن تناول الأطفال للخضراوات الطازجة على هيئة السلطة، والممزوجة بقليل من الليمون وزيت الزيتون هي أحد الأطباق الصحية الغنية بالمعادن والفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة. وكذا حرص الأم على تناول الطفل للفواكه الطازجة، كشرائح التفاح وقطع الموز والبرتقال وثمار الفراولة والتوت وغيرها. والطفل يمكن بسهولة تعويده على تناول الفواكه بتنويعها وتقديمها له أثناء دراسته بالمنزل كوجبات خفيفة بين وجبتي الغداء والعشاء.
* اللحوم والألبان. واللحوم الحمراء والبيضاء، كلحم العجل ولحم الدجاج، هي مصادر غنية بالبروتينات والفيتامينات والمعادن وغيرها من العناصر التي تنمي الدماغ وتنشط عمله. وأيضا الحليب ومشتقات الألبان التي لا حدود لاستفاد جسم الطفل منها.
إن تغذية الطفل مهمة شاقة، وتبدأ من فهم الأم والأب للأطعمة الصحية وأنواعها وكيفية إعدادها بطريقة صحية، ثم يأتي الصبر في تعويد الطفل على تناولها وإقباله عليها، ومن ثم تفضيله لتناول تلك الأطعمة الصحية بالمقارنة مع الأطعمة السريعة غير الصحية.