بعد مرور 66 عاماً على إنشاء إسرائيل (1948-2014)، باتت الأقلية العربية داخل الخط الأخضر في مواجهة تحديات هامة، في مقدمها دعوة بعض الإسرائيليين -وعلى رأسهم وزير الخارجية العنصري أفيغدور ليبرمان- إلى طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر إلى الضفة الغربية أو إلى خارج حدود فلسطين التاريخية واحتلال أرضهم، كما دعا رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى طرد الأقلية العربية من إسرائيل، وسجل ذلك عبر توصيات عديدة في مؤتمرات إسرائيلية، ومنها مؤتمرات هرتزليا التي عقدت بشكل دوري منذ عام 2000.
وبالعودة إلى أدبيات الحركة الصهيونية، نرى أن نجاح مشروعها في إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين واستمرارها كانا يكمنان في القدرة على طرد السكان الفلسطينيين من ديارهم وإحلال المستوطنين اليهود من بقاع الأرض كافة عوضاً عنهم، واستطاعت الحركة الصهيونية -بعد 49 عاماً من انعقاد المؤتمر الصهيوني في مدينة بازل السويسرية- إنشاء الدولة (في 15 أيار/ مايو 1948)، على نحو 78% من مساحة فلسطين البالغة 27009 كيلومتر مربع، وتم طرد نحو 850 ألفاً من الفلسطينيين خارج أرضهم كانوا يمثلون 61% من مجموع السكان الفلسطينيين في عام 1948.
ومنذ العام المذكور، اعتبر أصحاب القرار في إسرائيل مجرد وجود الأقلية العربية في أرضها خطراً وجودياً عليهم، فانتهجوا حيالها إستراتيجية استهدفت الاستمرار في الإرهاب والتمييز العنصري لإجبار الفلسطينيين على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين، وتبعاً لذلك قام الجيش الإسرائيلي وقبله العصابات الصهيونية، الشتيرن والهاغانا وغيرها، بارتكاب العديد من المجازر، كمجزرة اللد ودير ياسين والرملة وكفر قاسم وقبية والطنطورة وبلد الشيخ لدفع العرب خارج أرضهم.
بعد ذلك اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسات استهدفت قطع اتصال الأقلية العربية بمحيطها العربي، وحاولت في الوقت ذاته استيعابها ودمجها ولكن على هامش المجتمع الإسرائيلي. وعملت السلطات الإسرائيلية جاهدة لطمس الهوية العربية، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، وتقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة.
مر العرب داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين عامي 1948 و2014، وتميزت الفترة الأولى (1948-1966) وهي فترة الحكم العسكري الإسرائيلي، باستصدار إسرائيل 34 قانوناً لمصادرة الأراضي العربية، سواء تلك التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو لأصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقطن جزء من أهالي قرية صفورية في قضاء الناصرة قرب قريتهم التي طردوا منها عام 1948، ويُمنعون من العودة إليها، ويقدر مجموع الحاضرين الغائبين بنحو 260 ألف عربي فلسطيني. وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في آذار (مارس) 1976، حيث تمت مصادرة إسرائيل نحو 21 ألف دونم من قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث، وعلى خلفية ذلك قامت الأقلية العربية بانتفاضة يوم الأرض في 30 آذار 1976، وسقط خلالها ستة شهداء من القرى المذكورة، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، تتجسد فيه الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض وضد مصادرتها من قبل سلطات الاحتلال.
استمر الجيش الإسرائيلي في مصادرة الأراضي العربية تحت حجج وضرورات الأمن، ولهذا فإن الفلسطينيين، على رغم ارتفاع عددهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليون و600 ألف في عام 2014، يمثلون نحو 20% من سكان إسرائيل، لكنهم لا يملكون سوى 3% من الأراضي التي أقيمت عليها الدولة الإسرائيلية عام 1948 في ظروف دولية وإقليمية استثنائية. إضافة إلى ذلك، يعاني العرب داخل الخط الأخضر من تمييز إسرائيلي واضح في مجال العمل والتعليم والصحة، الأمر الذي انعكس على المؤشرات ذات الصلة، فبينما بلغت معدلات البطالة بين اليهود ما بين 8 و9% خلال الأعوام الأخيرة، ارتفعت معدلات البطالة بين العرب إلى نحو 19%. وبسبب ضعف الخيارات، فإن 44% من الأطفال العرب يرتادون رياض الأطفال، في مقابل 95% من الأطفال اليهود في سن ثلاث سنوات.
وفي محاولة منها لتهويد الأراضي العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططات لتهويد الجليل والنقب، بغية كسر التركز العربي في المنطقتين، وذلك عبر مسميات مشاريع تطويرية، مثل ما يسمى «مشروع نجمة داود» لعام 2020، حيث تهدف تلك المشاريع وغيرها إلى إخلال التوازن السكاني لصالح اليهود، وبشكل خاص في المنطقة الشمالية التي تضم مدن الجليل، مثل مدينة الناصرة.
وفي الذكرى السادسة والستين لإنشاء إسرائيل، يبقى الوجود العربي المادي الكثيف وتعزيزه داخل المناطق المحتلة عام 1948، وتحسين الظروف المختلفة، هو الأهم في المدى البعيد، وذلك بغية تفويت الفرصة لتحقيق أي أهداف إسرائيلية، وخصوصاً القوانين العنصرية التي تعتبر مقدمات لاحتلال مزيد من الأرض العربية وطرد أكبر عدد من الفلسطينيين إلى خارج وطنهم، وقد دعا لتنفيذ تلك التوجهات الإسرائيلية أكثر من مسؤول إسرائيلي، وفي مقدمهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في أكثر من مناسبة.
* كاتب فلسطيني