في الطعام والشراب والهواء… هكذا يغزو البلاستيك أجسامنا

عن الشرق الأوسط (كريستين حبيب)

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

هل خطرَ لك وأنت تتناول فنجان الشاي أنك تبتلع آلاف جزيئات البلاستيك مع شرابك المفضّل؟ وهلّا توقفت عن أكل الأرزّ إذا عرفت أنّ 100 غرام منه تحتوي على ما يعادل 4 ملِّيغرامات من مادة البلاستيك؟

هذه ليست خرافة؛ بل معلومات أكيدة أثبتتها دراسات أجرتها جامعتا كوينزلاند الأسترالية وماك غيل الكنديّة. ولا تقتصر لائحة الأطعمة المكتنزة بالجزيئات البلاستيكية على الأرزّ والشاي؛ بل تنسحب على مأكولاتٍ ومواد غذائية أخرى.

بلاستيك في المياه الملح والسمك

لعلّ أخطر ما في الأمر أنّ اللائحة تشمل مواد أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، بدءاً بالمياه، وتحديداً تلك المعبّأة في عبوات بلاستيكية. فكلما تعرضت تلك العبوات للحرارة أو لأشعة الشمس أو لكثرة اللمس، أطلقت مزيداً من الجزيئات البلاستيكية التي تختلط بالمياه ليشربها المرء في نهاية المطاف.

في هذا الإطار، تنصح الدكتورة فدى مراد، المتخصصة في علم الأحياء الجزيئي والخلوي والعلاج الطبيعي، باستبدال العبوات الزجاجية بتلك البلاستيكية. إلا أن اللائحة تطول، وتطول معها النصائح التي توجّهها الاختصاصية عبر «الشرق الأوسط»؛ كأن لا يجري تغليف الأطعمة، ولا سيما منها الحامضة والدسمة، بمواد بلاستيكية أو بالنايلون، إضافة إلى تجنّب تسخين الطعام في حاويات بلاستيكية، والتخلّي قدر المستطاع عن الأواني البلاستيكية في المطبخ عموماً.

ينضمّ الملح إلى المياه والشاي والأرزّ، ولا سيما الزهري منه، وهو يحتوي على الكمّ الأكبر من الجزيئات البلاستيكية. وليس السكّر الأبيض أفضل حالاً. كذلك تشمل اللائحة العسل، والأسماك، والدجاج على طريقة «الناغتس»، إضافة إلى الفاكهة والخضراوات، أبرزها الجزر، والبطاطا، والشمندر.

ابتلاع 5 غرامات بلاستيك أسبوعياً

تؤكد دراسة أجرتها «World Wildlife Fund» أن كل شخص يبتلع 5 غرامات من البلاستيك أسبوعياً، ما يوازي وزن بطاقة ائتمان. ولكن من أين تأتي هذه الجزيئات وكيف تنتقل إلى الجسم؟

يتراوح حجم الجزيئة الواحدة ما بين نانومتر مكعب واحد، و5 ملِّيمترات مكعبة، فهي بمعظمها ناتجة عن تفكّك قطع أكبر من البلاستيك بفعل مرور الزمن أو الحرارة أو الرطوبة وغيرها من العوامل الطبيعية، وفق ما تشرح فدى مراد. ينتشر القسم الأكبر منها في أعماق البحار والمحيطات الممتلئة بالنفايات، ومن هناك تنتقل إلى الأنهار والبحيرات، ومن ثم إلى مياه الشرب، من دون أن ننسى ما تبتلعه الأسماك منها. كما يتسرّب القسم الآخر إلى التربة من المكبّات ومن مياه الريّ، فتتلوّث به الأراضي الزراعية، ويبلغ الخضراوات والفاكهة التي يستهلكها الإنسان.

يتمركز قسم كبير من جزيئات البلاستيك في البحار وفي التربة (أ.ف.ب)
يتمركز قسم كبير من جزيئات البلاستيك في البحار وفي التربة (أ.ف.ب)
هواءٌ بلاستيكي

لا تدخل الجزيئات البلاستيكية إلى الجسم عن طريق الأكل والشرب فحسب؛ بل كذلك وبشكلٍ أساسي من خلال الهواء وعبر الجهاز التنفسي. وتحذّر فدى مراد في هذا الإطار من أن نسبة تلك الجزيئات ترتفع في الأماكن المغلقة أكثر من الهواء الطلق، لذلك تجب التهوية والتنظيف بالمكنسة الكهربائية بشكلٍ منتظم. تنصح الاختصاصية كذلك بتجنّب الملابس والأغطية والمناشف المصنوعة من مادة البوليستر.

وفي وقتٍ يقوم الأنف فيه بتنقية الجزيئات الأكبر حجماً ويلفظها خارج الجسد، تجد تلك الفائقة الصِّغَر طريقها إلى الرئتَين. وما يثير قلق العلماء أن الجزيئات البلاستيكية باتت منتشرة في كل مكانٍ تقريباً، وذلك بفعل تحلّلها عبر السنوات وانتقالها إلى الهواء والمياه والتربة.

واستنتجوا أن البلاستيك الذي استقر في جسد الإنسان جاء أساساً من نفايات أُنتجت منذ سنوات عدة. على سبيل المثال، وجد الباحثون كمية كبيرة من البولي إيثيلين، وهو النوع السائد من البلاستيك المُنتج في ستينات القرن الماضي، ولكن كمية أقل من البلاستيك المُستخدم في عبوات المياه، والتي انتشرت في التسعينات.

بلاستيك في الدم والقلب

عام 2022، عثر باحثون من هولندا للمرة الأولى على آثار بلاستيك في الدم البشري. تلا ذلك اكتشاف علماء صينيين، العام الماضي، جزيئات بلاستيكية مستقرة في قلوب أشخاصٍ كانوا يخضعون لجراحات قلبيّة.

البحوث المتعلقة بوجود البلاستيك في جسم الإنسان حديثة العهد، إلا أن السنوات الثلاث الأخيرة كانت كافية لدقّ ناقوس الخطر؛ إذ يبدو أن تلك الجزيئات الصغيرة منتشرة في أعضاء عدة من الجسد، بدءاً بالكبد ومروراً بالكلى وليس انتهاءً بالقلب والدماغ.

يشكّل الكبد جبهة دفاع، فيقوم بما في وسعه لمنع جزيئات البلاستيك من التغلغل في الجسد. ولكن كلما صغر حجمها صارت المهمة أصعب. ما إن تدخل مجرى الدم حتى تتغلّف جزيئات البلاستيك بالبروتينات والدهون، فتتّخذ شكلاً تاجياً وتبدأ رحلتها عبر الأعضاء.

الدماغ وسائر ضحايا البلاستيك

الدراسة الأحدث التي نُشرت حول الموضوع العام الماضي في مجلة «Nature Medicine»، أشارت إلى أن كمية البلاستيك في الدماغ البشري تضاعفت بنسبة 50 في المائة ما بين 2016 و2024. وأخطر ما تبيّن، أن الأشخاص المصابين بالخرف تحتوي أدمغتهم على كميات أكبر من الجزيئات البلاستيكية.

لا دلائل علمية حتى الآن على رابط بين الجزيئات البلاستيكية ومرضٍ محدد. وفق فدى مراد، كل الاستنتاجات هي فعلياً ترجيحات أن تكون «الجزيئات مسؤولة إلى حدٍّ ما عن التهابات معينة قد تتحول على المدى الطويل إلى سرطان، كما أنها قد تتسبب في تشويه الخلايا والحمض النووي، إضافة إلى تقلّبات في جهاز المناعة وفي الهرمونات».

إحدى الدراسات التي حظيت باهتمام مؤخراً جاءت من إيطاليا؛ حيث وجد باحثون أن الأشخاص الذين لديهم جسيمات بلاستيكية دقيقة في لويحات شرايينهم، كانوا أكثر عرضة للإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية. كما وجدت بعض التحاليل مستويات أعلى من البلاستيك لدى الأشخاص المصابين بالتهاب الأمعاء وأمراض الكبد. أما الباحثون في جامعة كاليفورنيا، فوجدوا رابطاً بين الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والصحة الإنجابية والتهاب الجيوب الأنفية المزمن.

الحدّ من أخطار البلاستيك

الجميع معرّض لجرعات من البلاستيك الدقيق على مدار الساعة، ولا يمكن بالتالي تحديد كمية المواد الداخلة والخارجة عبر الأنف والفم. وحتى إن كان الجسم يقوم بجهدٍ خارق للتخلص من هذه المخلفات، فإن التعرض المستمر لها يحوّل الأمر إلى معركة خاسرة.

لكن ثمة خطوات اتُّخذت على مستوى عالمي، مثل اقتراح «الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية» عام 2023، وضع قيود صارمة على الجزيئات البلاستيكية التي تُضاف عمداً إلى مساحيق التجميل أو مواد التلوين. كذلك هناك فِرق علمية، ولا سيما في فرنسا، تعمل على تطوير موادّ قابلة للتحلل بشكلٍ صحي، ويمكنها أن تشكّل بديلاً عن البلاستيك.

وتلفت الاختصاصية فدى مراد إلى أن «لا طريقة طبية أو علمية للتخلص من الجزيئات البلاستيكية المكدسة في الجسم، ولكن يمكن -إضافة إلى تجنب التعرض لها- تسهيل خروجها من خلال الحفاظ على نشاط معوي منتظم، وتناول الطعام الغني بالألياف، إضافة إلى الإكثار من شرب المياه. كما يجب الانتباه إلى صحة الكبد بما أنه المسؤول عن تنقية الدم، والاعتناء بالأمعاء من خلال تناول البروبيوتيك».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.