كلمة في وداع العم ابو فراس حمود مرعي

نودعُ اليومَ إنسانا كريماً محباً لعائلتهِ وذويهِ ومجتمعه. لم يتوانَ يوماً عن تقديم المساعدة لطالبها، مُقدّماً الهمَّ المجتمعي على شؤونه الخاصة. كان له دورٌ مشهودٌ في العمل الجماهيري الذي صان كرامة الجولان وأهله وحفظَ هويته.

ترعرع العم حمود مُحبِّاً للعلم، مشحوناً كالكثيرين من أبناء جيله بمشروع التحديث الوطني وبناء مجتمع ودولة متنورة، بعد أن عانت بلادُنا ويلات الاحتلال. التحق بالمدارس وبدار المعلمين، وعمل مدرساً في مناطق مختلفة من الوطن. كانت أحلامُه الصغيرةُ بعالمٍ أفضلَ تحاكي مُناخَ تلك الحقبة المليئة بالآمال القومية الكبيرة.

حين انتهى عدوان حزيران ووقعت قرانا تحت الاحتلال الإسرائيلي، بقي العم حمود قرابةَ عامين في الشام، إلى أن استطاع العودة إلى القرية بمساعدة الصليب الأحمر. بعد عودته، قرّر أن يكمل مسيرته كمعلّم ومربي للأجيال، رغم حالة الاحتلال التي بدت للجميع آنذاك ظرفاً طارئاً مؤقتاً.

إعلان

إلا أنه اصطدم، كما اصطدم العديد من زملائه، بسياسة احتلالية دقيقة، احترفت تأجيجَ النزاعات الطائفية واللعب على أوتار الهويات الضيقة.

انخرط في العمل السري وعانى، مع العشرات من أبناء المنطقة، من السجون والمعتقلات الإسرائيلية. إلا أنهم التقوا هناك رفاقَهم من المناضلين الفلسطينيين، وتعلموا أن يعيدوا صياغة معنى العمل الوطني، وترجمة الأحلام القومية الكبرى إلى أدوات عمل يومية لمواجهة مخاطر السياسة الاحتلالية التي تعمل على التفاصيل الصغيرة والدقيقة، المادية والرمزية، في كافة جوانب الحياة.

بعد أن تحرّر من السجن،رفض العودة المشروطة للتعليم، وتعلَّم مهنة أخرى أتقنها وهي النجارة، مُضحّياً بأحلامهِ المرافقة له منذ الصغر.

انخرط في العمل الجماهيري بمعركة رفض الضم والهوية والإضراب الكبير في الثمانينات، وكان له دور مهم في مأسسة العمل الخدماتي وتشكيل اللجان الشعبية، خاصة لجان أولياء الأمور، ومبادرات خيرية عديدة.

خاض مع رفاقه حقبةً صعبة من الجدالات الداخلية خلال عقد التسعينات، وتفاقُم الصعوبة في جَسر الاختلافات في العقد الأخير.

لقد رأينا أثرَ المرارةِ والألمِ في نفسه على حال البلاد. عانى من انتكاسته الصحية طويلاً، ولكنّه ظلّ يشعر بألم الآخرين.

الموت سنة من سنن الحياة لكن الذكرى تبقى مولّدةً لمعنى الحياة..

منير فخر الدين

+ -
.