بعد أن بلغت كلفة تفكيك الجينوم البشري للمرة الأولى قرابة 3 بلايين دولار تقاسمتها هيئات ودول انضوت تحت لواء «مشروع الجينوم البشري»، انخفضت الكلفة لتصل إلى واحد على ثلاثة ملايين من ذلك الرقم.
بديهي القول إن الانخفاض في كلفة التكنولوجيا المتطوّرة ربما صار سمّة أساسية للعلوم الحديثة، إذ يكفي النظر إلى عالم المعلوماتية والكومبيوتر. ففي عام 1965، أدلى عالِم الإلكترونيات غوردون مور الذي شارك في تأسيس «إنتل» Intel العملاقة، بملاحظته الشهيرة التي أفادت بأن عدد الترانزستورات على رقائق الكومبيوتر تتضاعف كل سنتين، مع انخفاض موازٍ في كلفتها. واستطراداً، توقّع مور أن تصبح الرقاقات أكثر قوة بما لا يقاس، وتكون أيضاً رخيصة.
وأثبتت الأيام صحّة هذا التوقّع الذي حمل اسم «قانون مور» Moor Law. وصار صفة أساسية لصناعة الرقاقات الإلكترونية، وهي العقول المفكّرة التي تشغّل الكومبيوتر. وساهمت الرقاقات الأصغر حجماً والأقل ثمناً، في تطوير صناعة المعلوماتية والاتصالات المتطورة وأجهزتها.
كــذلــك أثبــــتـــت الوقــــائـــع أن أمــراً مــــشابـهـــاً لـ «قــانون مور» ينطبق أيضاً على عدد البيكسلات في آلات التصوير الرقمية، وحجم ذاكرة الكومبيوتر، وسعة التخزين في أدوات «فلاش» الرقمية وغيرها.
وفي عام 2012، استخدم باحثون أميركيون رقاقات إلكترونية مصممّة لرصد المُكوّنات الوراثية، في التعرّف إلى تركيب الجينوم وشيفرته. وتوقع هؤلاء الباحثون أن تتمكن تكنولوجيا الرقاقات الجينية من قيادة موجة التحديثات التكنولوجية في مجال الجينوم وعلومه، متوقّعين أن يؤدي ذلك إلى انخفاض جذري في تكلفة التعرّف إلى شيفرة الحمض الوراثي النووي.
من الميكرومتر إلى النانومتر
شهد سعر تحديد شيفرة الحمض النووي تراجعاً مستمراً منذ أن أنجز الباحثون التعرّف إلى شيفرة أول جينوم بشري في عام 2000. وقد وصل السعر إلى 3 ملايين دولار في 2003، ما مثّل انخفاضاً بقرابة ألف ضعف، بالمقارنة مع كلفة 3 بلايين دولار في 2000. وفي عام 2012، صنع علماء أميركيون رقاقات إلكترونيّة تستطيع أن تتعرّف مباشرة إلى مُكوّنات شيفرة جينوم للفرد. وفي 2013، انخفض سعر تفكيك شيفرة الجينوم إلى ألف دولار.
وفي بحث وضعه جوناثان روثبرغ، مؤسس شركة «أيون تورنت» التي صنعت أول رقاقة إلكترونية لقراءة الجينوم، أوضح أن تلك الرقاقة تحتوي قرابة 1.2 مليون مجسّ فائق الدقّة. ويحتوي كل مجسّ على فراغ مرسوم على هيئة إحدى المُكوّنات الرئيسية في شيفرة الجينوم، وهي 4 مكوّنات تحديداً يشير إليها العلماء بحروف «إيه» A و«تي» T و«سـي» C و«جي» G.
وفي شيفرة الجينوم، لا تلتصق «إيه» إلا بـ»تي»، وكذا الحال بالنسبة إلى «سي» و»جي». وتتألف شيفرة الجينوم من تسلسلات ضخمة العدد من ثنائيات «إيه»-»تي» و»سي»- «جي». وقد استطاع روثبرغ وزملاؤه ابتكار طريقة للتعرّف إلى هذه الثنائيات، عبر رصد إشاراتها كهربائياً.
وأوضح روثبرغ أن شركته توصلت إلى صنع رقاقات إلكترونيّة «بدائية» في عام 1995. وحينها، كان أصغر مجسّ محفور على الرقاقة بطول 0.35 ميكرومتر. ومع التطوّر في صناعة أشباه الموصلات في عام 2005، بات بإمكان الشركة صنع رقاقات فيها مجسّات لا يــــزيد طول الواحد منها على 0.065 ميـــكرومتــر، (65 نانومتر). وأتاح الأمر رصف ما يزيد على بليون مجسّ على كل رقــاقـــة مفــردة. وبـــذا، انفتح الطريق لصنع رقــاقة تستطيع التعرّف إلى تسلسلات شيفـــرة الجينوم لقاء ألف دولار.