هذا أنا وهذه غرفتي وهذا فراشي وهذه نافذتي…
أنا متشردة ضائعة لست سوى بقايا انسان حطمته سبل الحياة وأسوأ الذكريات، فبات ظلا على أرصفة الزمان والاّهات…
غرفتي مبعثرة متقلبة تعج بالجنون تارة والسكون تارة، يحكمها الغموض وتحمل من الأسرار والخبايا ما لا يتخيله العقل ولو في الأحلام والحكايا… وفراشي صحراء قاحلة.. تحمل أغرب وأعجب الأطوار.. لغز منذ بدء الكون قد كان…
وأخيرا نافذتي، شفافة شديدة الوضوح، تنعم بالهدوء، ملساء ناعمة تسمح لك بالنظر والرؤية لأبعد الحدود…
في هذه الليلة انتظرت الفجر طويلا.. كان الجو هادئا ينعم بنسمة هواء خفيفة تسمح للروح بالتنفيس عن الهموم والغموم.. ولكني بقيت في فراشي واتخذت الليل لحافي وشرعت أراقب القمر حتى يمل السهر ويغيب لأنعم من جديد بالفجر…
كانت عيوني لا تغفل عن القمر لحظة حتى كدت أنسى سواد الليل من حوله، فقد أخذني لعالم كنت وحيدة فيه، ما من بشر حولي ولا من أرض ولا سماء ولا بحر ولا ماء ولا هواء…
كنت أسبح في فضاء من أفكار، وفراغ من خيال، صور لا متناهية تفرقني وتجمعني من نفسي وذاتي، فلا أفرق بين الحقيقة والواقع. ضعت في عالم غريب قريب عني ولكنه يحتضنني من منتصف الليل حتى بزوغ الفجر، عالم يقلبني رأسا على عقب، تساؤلات تتخابط في ذهني، ما من أجوبة تقنعني بهذا العالم الذي أتوق اليه في ليلي وأنساه في نهاري…
عالم الوحدة والوحشة، عالم الحرية والأبدية، عالم من ذكريات الكون منذ بزوغه، عالم من اّهات الانسانية، عالم من صفاء الروح الربانية، عالم من عقول الارواح البشرية، عالم منسياتنا في الضوء والسطوع ومخفياتنا في الظلمة والرجوع، عالم فرحتنا في الخفاء ودمعتنا وسط الضياء. ربما شعرت حينها بشيء من المتعة والحرية وحياة أبدية، لكن سرعان ما أثر بي هذا العالم فلم أجد أرضاً أدوسها ولا سماء أطولها ولا بحراً يغرقني ولا ماء يحييني ولا هواء يبقيني.. فشعرت بشيء من الاختناق وألما لا يطاق. أغمضت عيوني لأهرب من هذا العالم فاذا الفجر قد أفاق.
___________________________
* دينا: اسم مستعار. الاسم الحقيقي محفوظ لدى موقع “جولاني”