كشفت مصادر متطابقة لـ «الحياة» أن مفاوضات تجري بين ممثلي النظام ومقاتلي المعارضة لإنجاز تسوية نهائية في حي الوعر، آخر معاقل المعارضة في حمص. وتضمّنت مسودة الاتفاق بنوداً عدة، أحدها «فتح مكتب للوسيط الإيراني، لمعالجة أي خرق أو تجاوز للاتفاق» الجاري العمل لإنجازه.
وجرى في الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق في حمص القديمة، عبر وسيط إيراني، تضمن خروج مقاتلي المعارضة بسلاحهم إلى الريف الشمالي لحمص، وإطلاق «الجبهة الاسلامية» امرأة إيرانية، ورجلاً روسياً، وعشرات المدنيين، لكن حي الوعر الذي يضمّ نحو 300 ألف مدني، بينهم مقاتلون من المعارضة، وأُسر مقاتلين كانوا لجأوا إليه، بقي آخر معاقل المعارضة في «عاصمة الثورة» السورية.
ويضم حي الوعر عدداً من أهالي حمص القديمة، وكتائب مقاتلة، حيث فرضت القوات النظامية حصاراً شديداً عليه، ضمن سياسة «الجوع او الركوع». وقال أحد أعضاء لجنة الوساطة إن ثلاثة أطراف مؤثرة في الحي: قوات النظام الأمنية والعسكرية، مقاتلو المعارضة، ميليشات شيعية تشكلت من قريتين شيعيتين على طرف الجزيرة السابعة للحي.
وأوضحت ريم تركماني لـ «الحياة»، وهي على صلة بالمفاوضات، أن «الالتزام بالهدنة الأولية التي تم الاتفاق عليها منذ أكثر من أسبوعين، مؤشر جيد على جدية الأطراف بالتزام بنود الاتفاق الذي يتم التفاوض عليه الآن»، مشيرة إلى أهمية حصول «خطوات بناء ثقة، لإعادة الثقة بالمسعى التفاوضي نفسه، وليس فقط الثقة بين الأطراف المتفاوضة».
وكانت إجراءات بناء الثقة التي أنجزتها لجنة المفاوضات بدعم من «منظمة الهلال الاحمر»، سحب جثث ثمانية مقاتلين من المعارضة، و11 من المقاتلين الموالين للنظام.
وأنجز وسطاء وقفاً لاطلاق النار في نهاية الشهر الماضي، لكن المفاوضات جارية لإنجاز تسوية نهائية، أو لمدة ستة أشهر على الأقل. وبحسب وثيقة حصلت عليها «الحياة»، فإن المفاوضات الجارية تضمنت اتفاق ممثلي النظام والوسيط الإيراني من جهة، ومقاتلي المعارضة من جهة أخرى، على مسودة هدنة نهائية قُدّمت أمس إلى المعارضة، تضمنت تسع نقاط بينها تسليم مقاتلي المعارضة سلاحهم، و«تسوية أوضاع المطلوبين والمنشقين والمتخلفين» عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وفتح جميع الطرقات إلى حي الوعر.
وتضمنت المسودة أيضاً «إخراج من لا يرغب بالتسوية» إلى خارج الحي، وانتشار قوات الجيش النظامي لـ«فترة بسيطة» مُتفق عليها، إلى أن يتم الانتهاء من تفتيش الحي، وانسحاب قوات الجيش النظامي إلى خارج الحي، و«سحب آلياته الثقيلة»، مقابل دخول عناصر الشرطة المدنية، وجهاز استخبارات أمن الدولة «من دون حواجز، وضمان عدم اعتقال» أهالي الوعر والمعارضين.
ونصّ البند الثامن من مسودة اتفاق الهدنة على «فتح مكتب للوسط الإيراني في الحي، لمعالجة أي خرق أو تجاوز للاتفاق»، إضافة إلى عودة الأهالي إلى بيوتهم في حمص القديمة، مع الضمانات. وقالت المصادر إن ممثلي النظام في المفاوضات حضّوا المعارضة على تعجيل التوصل إلى اتفاق لترتيب عودة عشرات آلاف الأهالي إلى بيوتهم في حمص القديمة، بعد الاتفاق الذي وقع الشهر الماضي.
وبحسب تركماني، فإن المفاوضات تتناول حالياً «آليات تطبيق الاتفاق، والجدول الزمني» ذلك أنه ليست هناك «جهات يمكن أن تُعتبر رقيباً مستقلاً على تنفيذ الاتفاق، إذ وجود الأمم المتحدة التي يُفترض أن تلعب مثل هذا الدور لا يزال ضعيفاً، كما لا يملك فريقها في سورية صلاحيات لمراقبة الاتفاقيات (المصالحة المحلية). أما الطرف الإيراني فهو أقرب لأن يكون ضامناً لبنود الاتفاق، ولا يمكن أن يكون الرقيب على تنفيذه».
وكان «الائتلاف الوطني السوري» المعارض اتهم في بيان النظام بـ«إعدام قرابة 20 شخصاً، واعتقال 80 آخرين من مقاتلي حمص، بعدما سلّم هؤلاء أنفسهم وخرجوا من أحياء حمص المحاصرة إلى حي الخضر، بموجب اتفاق مع النظام على أن يُطلق سراحهم حال تسليم أسلحتهم»، الأمر الذي لم يحصل.
وبالتوازي مع المفاوضات، بدأت الحياة تستعيد بعض الهدوء في الوعر، لأول مرة منذ 14 شهراً. وقال أحد النشطاء إن الكهرباء والمياه عادتا إلى الحي بعد انقطاع منذ خمسة أشهر، إضافة إلى توافر المواد الغذائية وإدخالها في شكل متقطع. وأضاف الناشط لـ«الحياة»، في رسالة إلكترونية: «إنه منظر يبعث بالأمل للحياة من جديد، مع إيقاف آلة القتل اليومي الذي كان يتعرّض له أهالي الحي، قبل اتفاق وقف إطلاق النار، هو المشي في شوارع تحت أنظار قناصة النظام، وانتشار بسطات بيع الخضار، وفتح محلات غذائية» في الحي، لافتاً إلى أن «حظر التجول يُفرض مساء» كل يوم.
لكن الناشط أشار إلى أن «تردي مستوى الحياة المعيشية والفقر أديا إلى قلة حركة البيع والشراء، إضافة إلى أن بعض المواد يُباع بثلاثة أضعاف سعره». وأشار إلى ازدهار «تجار الحرب»، عبر تبادل منافع بين التجار ومسؤولين محليين، للسيطرة على بيع البضائع، لتحقيق أرباح كبيرة. وقال: «إذا حصل اشتباك بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام، يُمنع إدخال المواد إلى حي الوعي لفترة معينة كعقوبة إضافية».
وبحسب تقرير رفعه أحد النشطاء إلى الوسطاء، أُصيب خلال فترة التفاوض ثلاثة أشخاص برصاص قناصة النظام، منذ تطبيق وقف إطلاق النار، وتم استهداف الحي بقذائف دبابات، وأن مقاتلي المعارضة «لم يردوا على ذلك خشية انهيار المفاوضات».
ومنذ فرض الحصار على حي الوعر، لم يُسمح بالدخول والخروج من الحي سوى للموظفين الحكوميين وطلبة الجامعات فقط، و«يُمنع خروج أو دخول أي عائلة، أو فرد، إلا بورقة موافقة أمنية، حتى الحالات المرضية المزمنة والخطرة تحتاج لهذه الموافقة»، بحسب الناشط.
وكان لافتاً أن بعض أهالي حي الوعر شارك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، خصوصاً موظفي القطاع العام وطلاب الجامعات. وقال الناشط: «بعضهم انتخب لأنه يريد حلاً، والبعض انتخب بسبب الخوف، فيما انتخب آخرون مقابل حصول كل منهم على ربطتي خبز في شكل مجاني». وزاد: «كان بين المقترعين أهالي شهداء ومعتقلين».
وأعربت تركماني عن الأسف لـ«عدم تحقيق مكاسب سياسية» في اتفاقات التهدئة التي حصلت في حمص القديمة، وعدد من أطراف دمشق، في الفترة الاخيرة، مُشيرة إلى التدخل الإقليمي في المفاوضات.
إلى ذلك، قالت مصادر أخرى لـ «الحياة»، إن السلطات التركية بدأت تضيق على تدفق اللاجئين إلى أراضيها، تحسباً لتدفق حوالي 300 ألف لاجئ جديد، في ضوء توافر معلومات عن نية القوات النظامية فرض حصار على أحياء في حلب (شمال البلاد)، وتكرار تجربة حمص القديمة والوعر.