موريشيوس.. الجزيرة «الجنة» في أعماق المحيط الهندي

ارتسمت علامات التعجب على وجوه الزملاء الإعلاميين، حين قال مدير متحف بورت لويس إن «العرب اكتشفوا جزيرة موريشيوس قبل الأوروبيين بقرون، ولكنهم لم يبقوا فيها طويلاً». كان السؤال في مخيلاتهم وشفاههم: لماذا؟ منطلق استغراب الزملاء كان: كيف يترك المرء هذه الجنة؟

ربما يبدو وصف جزيرة موريشيوس بـ«الجنة» مبالغة، ولكن زائرها يشعر أنها كذلك فعلاً. فعلى هذه الجزيرة الصغيرة (نحو 2000 كيلومتر مربع) ما يجعلك تشعر بأنك في الجنة، وإن كنت على الأرض. هنا الجبال الخضراء والبحار الزرقاء والأنهار التي تتدفق بالمياه العذبة، وهواء في غاية النقاء (تصنف الجزيرة ثاني أنقى دولة لناحية الهواء)، هنا الوجهة المفضلة للعرسان في شهر العسل.

والأهم من كل ذلك، هنا بشر في قمة الود والمحبة، فالأمن والأمان السمة الأميز لهذه الجزيرة الحالمة في عمق المحيط الهندي، حتى إن زميلاً إعلامياً نسي حقيبته في مواقف المطار فور وصولنا وغادرنا بالحافلة، وبعد دقائق تنبه إلى أنه نسيها، وحين عدنا كانت الحقيبة في مكانها فيما كان عمال النظافة يحرسونها، ولم يفكر أحد بالسطو عليها فهذه الجزيرة تصنف أكثر الأماكن أمناً في القارة السمراء.

يصعب سبر أغوار هذه الجزيرة، وإن كانت أبوابها مشرعة أمام الجميع، ولكن هذا ما حاولت «الحياة» فعله من خلال جولة سريعة.

تقع جزيرة موريشيوس في عمق المحيط الهندي، وتبعد عن مدغشقر نحو 860 كيلومتراً، ولا يعرف متى وصلها العرب بالتحديد، وإن كان يرجح أنهم سبقوا الأوروبيين بقرون. ويُعد الرحالة البرتغالي دون بيدرو ماسكارينهاس أول من عرّف العالم بها، في 1505، مطلقاً عليها اسم «ماسكارينس». وفي 1598 رسا أسطول هولندي في غراند بورت وأقيمت على الجزيرة أول مستعمرة هولندية في 1638 ليرحلوا عنها في 1710، وخلفهم الفرنسيون في العام 1715 وأسسوا ميناء بورت، لتستولي عليها بريطانيا في 1810. ونالت موريشيوس استقلالها في 12 آذار (مارس) 1968. وعلى رغم ذلك لا تزال الجزيرة تخضع للحماية البريطانية إلى اليوم، ما حال دون إنشاء جيش وطني.

 

جزيرة السكر

حين تسير في شوارع جزيرة موريشيوس، وغالبيتها من ذوات المسارين، فإن حقول قصب السكر تمتد على مرأى بصرك، فحتى ما قبل عقود كان محصول السكر عماد اقتصاد الجزيرة. وهناك أيضاً مزارع الشاي والتبغ والأناناس وجوز الهند، وبعض المزروعات الأخرى. وفي العقود الثلاثة الأخيرة بدأت موريشيوس في تنويع مصادر دخلها، وإن أبقت على الزراعة كمورد أساس لها، إلى جانب حركة التصدير النشطة وبعض الصناعات الخفيفة (بحيث لا تضر في البيئة)، إضافة إلى السياحة التي تشكل نحو 8 في المئة من الدخل القومي لموريشيوس.

وتعج الجزيرة بالمنتجعات والفنادق الفخمة، التي يقدر عددها بـ107 فنادق، تحوي نحو 13 ألف غرفة متفاوتة في المستويات والأسعار. وبحسب وزير السياحة الموريشي مايكل سيك يوان، فإن «فندقاً أو منتجعاً يفتتح في البلاد كل عام»، لافتاً إلى تسهيلات كبيرة تمنح للمستثمرين في هذا القطاع وبخاصة العرب، مشيراً في هذا الصدد إلى استثمارات الأمير الوليد بن طلال المتمثلة في منتجع فورسيزنز – موريشيوس.

وتصنف الجزيرة الوجهة الأولى للعرسان الجدد، الحالمين في قضاء شهر عسل ممتع. كما أن موريشيوس وجهة مفضلة لـ«السياحة العائلية»، بما تتميز به من إمكانات راقية جداً، سواء أكانت على صعيد منتجعاتها وفنادقها الفخمة أم جمال طبيعتها وطقسها المعتدل والبنية التحتية الراقية فيها.

 

خيارات متنوعة

وتتنوع الخيارات السياحية في الجزيرة، فهناك البحر حيث الرحلات على متن القوارب إلى الساحل الغربي لمشاهدة الدلافين صباحاً، وهي تسير على شكل مجموعات أو فرادى، أو الإبحار ليوم كامل حول الجزيرة. فيما يفضل بعضهم مشاهدة الغروب الساحر حين يبتلع البحر قرص الشمس.

ويرجح سياح آخرون الغوص في أعماق المحيط، للتمتع بجمال الشعب المرجانية والكائنات البحرية من داخل غواصة. وهناك خيار آخر يتمثل في ركوب الدراجات البحرية وخوض تجربة مثيرة، أو ركوب المناطيد التي تجرها القوارب السريعة.

أما في اليابسة فالخيارات كثيرة ومتنوعة، فهناك المتاحف التي تعكس تاريخ الجزيرة منذ استيطانها، مروراً بالعهود الاستعمارية، وكذلك الحدائق وأبرزها حديقة باميلوموس التي تتربع على مساحة 37 فداناً وتضم آلاف الأشجار والشجيرات الاستوائية، والتي يصل عرض جذع بعضها إلى عشرات الأمتار، فضلاً عن ارتفاعها الشاهق، وكذلك أشجار لا تزهر إلا مرة واحدة كل نصف قرن وإذا أثمرت ماتت، فيما تتربع ورود الليلك العملاقة وسط البرك.

وهناك حدائق الحيوان المنتشرة في الجزيرة، والتي تضم حيوانات وطيور استوائية وغيرها، مثل النعام وحمار الوحش والقرود والغزلان والوعول والسلاحف العملاقة، فضلاً عن الفهود والأسود التي يقوم المتنزهون بتدليكها وملاعبتها، والتصوير معها، أو إطعام الصقور المطلقة في الغابات.

وتنظم بعض الحدائق رحلات سفاري للزائرين، للتعرف على الأماكن التي تعيش فيها الحيوانات في بيئاتها الطبيعية، سواء أكانت بالحافلات الخاصة، أم بالدرجات النارية الرباعية، أم على متن الخيول بين الغابات، أم صعوداً إلى الجبال ثم نزولاً إلى الأودية، والاستمتاع بالطبيعة الخلابة حيث البحيرات والشلالات، وبخاصة شلال شارميل، الذي يصل ارتفاعه إلى نحو 100 متر، أو الاستمتاع برؤية أرض الألوان السبعة، وهي تكوين بركاني منح مجموعة من التلال سبعة ألوان مختلفة. وتوجد هذه الظاهرة الطبيعية في مكانين مختلفين من الجزيرة، هما قرية شارميل ومتنزه الوادي الملون.

وتوفر المتنزهات فرصة ممارسة ألعاب مختلفة، بينها ركوب الدراجات النارية الرباعية أو «السيجواي»، أو امتطاء الأحصنة، أو القفز على الأسلاك المعلقة في الهواء، وهي تجربة ممتعة تشد الأنفاس. فيما تتيح الفنادق والمنتجعات لقاطنيها ممارسة رياضة الغولف، التي تحظى بشعبية واسعة في موريشيوس أو ركوب الطائرات العمودية، ومشاهدة الجزيرة من السماء في رحلة تستغرق نحو ساعة.

 

جزيرة التنوع القومي والديني… والاعتدال أيضاً

يتشكل سكان جزيرة موريشيوس (1.2 مليون نسمة) من أعراق شتى، فيمكنك أن ترى الهندي إلى جانب الصيني، وكذلك ذا الملامح الأفريقية جنباً إلى جنب مع ذوي الأصول الأوروبية. ويتحدث السكان تبعاً لذلك خليطاً من اللغات واللهجات، إلا أن الفرنسية تحتل الصدارة، تليها الإنكليزية (اللغة الرسمية للبلاد)، وهناك «الكريولية» وهي لغة هجينة أصلها فرنسي وتنتشر بكثافة بين السكان، فضلاً عن لغات شبه القارة الهندية، التي حملها المهاجرون الهنود معهم، وكذلك الصينية وإن كانت على نطاق ضيق ومحدود.

ولم يشكل التنوع الإثني مشكلة للجزيرة، بل تحول إلى ميزة فريدة، فهنا تلمس أعلى درجات التسامح والتمازج، وحتى التصاهر بين ذوي الأديان والقوميات المختلفة. إذ يمكن رؤية المساجد إلى جوار المعابد الهندوسية والبوذية والكنائس المسيحية. وكما قال سائق الحافلة التي أقلت الوفد الإعلامي، يرفان: «أنا هندوسي ولكنني أزور المسجد والكنيسة، كما أزور المعبد».

ولا يقتصر الاعتدال والتنوع على البشر في موريشيوس، فحتى الجغرافيا يشملها هذا الأمر. فأرض الجزيرة البركانية لا ترتفع كثيراً، فأعلى تلالها (الجبل الأسود) يصل ارتفاعه إلى 827 متراً، وأكثر أرض الجزيرة ارتفاعاً في الوسط والجنوب الغربي. كما تتمتع موريشيوس بطقس استوائي معتدل، ويبدأ الصيف من تشرين الثاني (نوفمبر) إلى نيسان (أبريل)، وتراوح درجات الحرارة بين 25 و31 درجة مئوية. أما الشتاء فيكون من أيار (مايو) إلى تشرين الأول (أكتوبر). وتراوح درجات الحرارة خلاله بين 15 و25 درجة.

+ -
.