نادرا ما دار الحديث عن أسعار النفط في سنة واحدة كما في هذه السنة. ولا عجب في ذلك على ضوء الهبوط الحاد للأسعار. في الأفق لا تلوح علامات على التحسن، ومن المتوقع أن يشهد عام 2015 اضطرابات في الأسعار، كما يرى هينريك بومه.
أينما يتم استهلاك النفط، تعمّ الفرحة منذ أسابيع. وتكلفة ملئ خزان سيارة باتت أقل بكثير من بداية العام، ومن يملأ خزان بيته بزيت التدفئة يدفع أقل من العام السابق. وطبقا لحسابات الخبراء، فإن أصحاب السيارات في ألمانيا وحدها وفروا خمسة مليارات يورو هذه السنة مقارنة بسابقتها. وهذا المبلغ ينفق لشراء أشياء أخرى، وهو ما يقوي الطلب الداخلي وينعكس إيجابا على حالة الاقتصاد.
الصادرات الألمانية لديها ما يدعو للفرحة كذلك، فبسبب انخفاض سعر صرف اليورو ازداد الإقبال على البضائع الألمانية. وهذا دفع بعدد من الباحثين الاقتصاديين إلى توقعاتهم أفضل عن حالة الاقتصاد الألماني للسنة القادمة. فهل ستشهد ألمانيا ومنطقة اليورو عاما اقتصاديا جيدا في 2015؟
على الأغلب لا، إذا ما بقي سعر النفط منخفضا على ما هو عليه الآن. التوتر باد بوضوح على الأسواق العالمية، والصعود والهبوط في أسواق البورصة خلال الأسابيع الماضية خير دليل على ذلك. وإذا استمر هبوط سعر النفط، فقد تقع منطقة اليورو في فخ الانكماش الخطير. وبسبب توقع استمرار انخفاض سعر النفط يؤجل كثيرون صفقات مشترياتهم الكبيرة، والشركات تتلكأ في تنفيذ خطط الاستثمار. كما إن هبوط مستوى الطلب يؤدي إلى استمرار هبوط الأسعار، وفي النهاية هناك خطر الركود، واليابان، التي هي ثالث أكبر اقتصاد في العمل، خير مثال على ذلك.
وهناك مصدر آخر للخطر يتمثل في الدول النفطية ذاتها. في بعض هذه الدول هناك تهديد بوقوع اضطرابات كبيرة وخاصة في روسيا وفنزويلا، اللتين تعتمدان أكثر من غيرهما من الدول النفطية على عائدات النفط. فبالنسبة لروسيا، يظهر واضحا التأثير الكبير للعقوبات الدولية وهبوط أسعار النفط. لقد انخفض سعر صرف الروبل إلى الحضيض، وأصحاب رؤوس الأموال يهربونها إلى الخارج وفقدت الثقة في اقتصاد البلاد. ومن لا زال يعتقد بأن إفلاس امبراطورية بوتين سيتم بدون أن يترك أثرا على الغرب، فهو خاطئ. لأن ما يجري اليوم في روسيا يذكر كثيرا بأزمة الدول الصاعدة في نهاية التسعينات، آنذاك ساعد البنك الدولي وصندوق النقد روسيا بمليارات الدولارات. غير أن مثل تلك المساعدة غير ممكنة في ظل الوضع السياسي الراهن. وإذا ما أصبحت روسيا عاجزة عن الدفع، فسوف يتوجب على الباحثين الاقتصاديين إعادة النظر في توقعاتهم.
الولايات المتحدة أيضا، كدولة منتجة للنفط، وواحدة من كبرى الدول المنتجة وتتحمل بذلك قسطا من المسؤولية في إغراق السوق وبالتالي في هبوط أسعار النفط، تعاني بدورها من مخاطر: فقد حصلت صناعة استخراج النفط من الصخور والمعروفة باسم Frackingعلى قروض بأسعار فائدة عالية جدا، وإذا ما أفلست هذه الشركات وعجزت عن سد ديونها، فإن أمريكا مهددة بانهيار اقتصادي لا يقل عن الانهيار، الذي سببه قطاع العقارات عام 2008. ومن المدهش أن يعترف وزير النفط السعودي، ولأول مرة علنا، أنه قلق على قوة السوق السعودية. إذ كلما انخفض سعر النفط، إلا وانخفضت قوة السوق السعودية.